عندما سقط زميلنا السهيلي وكان مصاباً بالصرع,, فزع أطفال الصف الأول الثانوي وتجمهروا حوله حائرين هلعين. لكن عواد قفز من ركنه القصي وسيطر على الموقف. وعندما دفعت الشقاوة بعضنا ذات يوم أن ينثروا مسحوقاً مثيراً للعطاس نكاية بمدرس الرياضيات وكادت المجموعة كلها أن تتعرض لعقوبة شديدة لأن المتسببين، لم يجرؤوا على الاعتراف قام عواد ليقول أنه هو المسؤول وأنه يتحمل المسؤولية كاملة. وعندما احترق منزل بواب مدرستنا العجوز كان عواد هو الذي تزعم حملة جمع التبرعات من الطلاب والاداريين والمدرسين. وعندما خرجنا من المدرسة ذات يوم لنجد فتوات المدرسة الصناعية ينتظروننا ليسددوا حسابات هزيمة كروية حاقت بهم على أيدينا. وقف عواد في مقدمة الصفوف استطاع بجرأته واستثارته للحماس في صفوفنا أن يقنع المعتدين بأن يعودوا أدراجهم خاسرين. كانت صحيفة فصلنا التي ترأس تحريرها أفضل صحيفة في المدرسة، وكان فريق التمثيل الذي يتزعمه أفضل فريق مسرحي فيها, وفازت الجمعيات العلمية التي كان عضوا فيها بقصب السبق على الجمعيات الأخرى كلها. كانت حفلاتنا ورحلاتنا أكثر الحفلات والرحلات نجاحاً لأن عواد كان دائماً هناك ليشرف على كل التفاصيل. وكان فصلنا رغم شقاوته على علاقة جيدة بالإدارة والمدرسين لأن مكانة عواد بيننا رسمت لنا حدوداً للياقة لا نتجاوزها أو ننتهكها. وتجاوزت شهامة عواد أسوار مدرستنا لتغدق نفسها على حياتنا الاجتماعية. فلم تخل أفراحنا أو مآتمنا من عواد يصول ويجول ويصدر التعليمات ويحرك الأشياء والأشخاص. اصبح عواد محورا تدور حوله أوقاتنا وأفكارنا وبرامجنا وملأ علينا ذكاؤه وشهامته وصدقه فراغاتنا المراهقة. كنا نقضي اليوم الدراسي بأكمله في صحبته. ونقضي المساء في المدرسة منهمكين في أنشطتها اللامنهجية . وعندما يوغل الليل نودعه متطلعين إلى لقاء الغد. وكما أذكر اليوم الذي رأيت فيه عواد للمرة الأولى. لازلت أذكر بوضوح أكبر وداع. كان مساء عادياً. وكان يبدو منهكاً متعباً لكن ذلك لم يكن أمراً غير عادي بالنسبة لعواد العجيب. ألقينا عليه تحية المساء ثم غادرنا. ولم يأت عواد إلى المدرسة في الصباح. وعند الظهيرة جاءنا خبر يقول أن مرضاً اشتد عليه ليلاً وأنهم نقلوه إلى المستشفى, وعندما ذهبنا نزوره أخبرونا أنه أصيب بالحمى الشوكية وأنه غائب عن الوعي. وفي ضحى اليوم التالي جاءنا الخبر بأن عواد قد توفي ليلاً. وأنهم دفنوه عند الفجر. لن أقول لكم كم كان حزننا على عواد . لأنكم لم تعرفوا عواد ولن تتخيلوا ماذا كان يعني لنا. لقد تحققت منذ ذلك اليوم الحزين أن بعض الكائنات لم توجد لتبقى. كان عواد أكبر وأنقى وأعظم وأنبل من أن يدوم. لعله أريد له أن يكون مثالاً نلتفت إليه ونستلهمه. عندما تزدحم دروبنا بالأقزام والامساخ وأنصاف الكائنات. لعله أريد له أن يكون فترة نستحضرها ونستشرفها. عندما يتغاشانا عالم منافق جبان رديء. أو لعله أريد له أن يكون الصديق الذي لن نجد، والتفاني الذي لن نعثر عليه، والبراءة التي لن نحتفظ بها. والصدق الذي سنفقد لقد كان عواد هنا، وأؤكد لكم أنه منذ أن كان,. وأنا أشك دائماً,, في أنه يوما,, سيكون. رحمة,, وتحية وسلاماً، على عواد الجهني صديق الطفولة الذي قضى، وعلى,, زمن الطفولة الذي مضى.