ذات يوم قابلت معالي الشيخ صالح اللحيدان في مكتب معاليه وقت تولِّي أخي عبد الرحمن بن محمد الغزي رئاسة محاكم منطقة جازان، فدار بيني وبين معاليه حديث كان من ضمنه، إن وجود أخي في رئاسة المحاكم هناك حرمني الانتفاع من القضايا في جازان، وقد تركت ذلك تأدباً وحتى لا يُحرج وإن كنتُ أعرف قوته واحتياطه لدفع الشبه والبحث عن الحق وأنه لا يغيِّره عن الحق كائن من كان، وقد عُرفَ بذلك بفضل الله، فأيدني معالي الشيخ على عدم أخذ القضايا هناك، وبعد مدة من هذا الحديث قابلت أخي لدى الوالدة لَطَفَ الله بها ومتَّعها على طاعته، فَفُوجئْتُ به وقد وخَطَهُ الشيب مع أني الأسن ولم أشب فكَبُر ذلك عليَّ وكانت الوالدة متذمرة للشيب الذي باكَرَهُ حسب رأيها، فَوجَّهت إليَّ حديثها تقول مداعبة، (انتبه تشيب كأخيك)، أقول هذا آنذاك، أما اليوم فقد لحق الصيفي البكور على قلب المثل وكيف لا يشيب الحر يقظ الوجدان الصادق النزيه وقد يرى غيري ما رأيت، ومن باشر أدرى ممن لم يباشر، وليس المتفرج كالوالج في خضم الصراع بين الحق والباطل (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) ولله أنت يا عمر -إن قول الحق لم يدع لي صديقاً- ونحن في زمن لا يجني على الصادق كصدقه!!، ولهذا جاءت القصيدة: أشرقت نوراً به يزهو محياكا لكنه مفزعي من حيث ألقاكا بُعْداً! فطلعته للنفس مؤلمة يا طلعة الخير مالي فيه لولاكا قد كنت أحسبني أفتى بني زمني حتى رأيت بياض الشيب يغشاكا أهوى البياض إلى فعلي وأكرهه للشعر مني وليس الأمر يخفاكا أخي ويا بن أبي والله يعلمني أنا الأسن وأنت المفتدى ذاكا قالت (ودودتنا) إذ شبتَ منذرةً إياي، إياك ذاك الشيب إياكا أسرعت شيباً فقام الشيب مبتدراً وجهي فقال خلي البال أضناكا ألا وجدت له دفعاً فتدفعه لو في الخضاب، فما أنساك آساكا عشنا الطفولة أحلاها وأكرمها نهراً تدفق أرواني وأرواكا عشنا الصبا متعة -ما عشت- أذكرها بين الكريمين سقياً حيث مرعاكا ما بين أم حنون القلب حانية ووالد في كريم الخيم رباكا عشنا رضيعي لبان المجد مكرمة طعماً وعَرفاً يزكيني فزكاكا عشنا الفتوة أسماها وأنبلها إذ طاب للنفس مغناها ومغناكا عشنا الصفيين في دوح خمائله نشر الخزامى يحييني فحياكا شقاوة بيننا كانت سعادتنا والفضل لله آتاني وآتاكا فالحمد للرب حمداً قيد أنعمه ما عشت غياً ولا الشيطان أغواكا شبلين في أجم أشباله نشأت على الإباء إذا ما معضل شاكى لا أستكين لذي ضغن يعاضلني حتى يعود صغيراً كيفما داكا ثم افترقنا وكلٌ سار وجهته ما شاءه الله أولاني وأولاكا أولاك خيراً فعشت الخير تصنعه أراده الله تفضيلاً فولاكا ما أشغل النفس جمع المال نرصده إلا ليبقى بنائي صنو مبناكا لم تتخذ دون وجه الله تورية أرخصت بذلاً وعاش البعض إمساكا طبع اللئيم يظن المال يرفعه والعز بالله فابذل حيث أغناكا فما رجوت ولا تخشى لنازلة إلا الذي في مقام العز أعلاكا ثم اتّخذتُ مساري غير معتمد إلا على من باسمى الخيم سواكا لكنه مسلكٌ حفت جوانبه بالمنهكات فعشت العمر إنهاكا أصارع السوء في شتى جرائمه لم أستعن -قط- إنساناً لما حاكا أستغفر الله، جل الله وهو يرى سعيي فما كنت خداعاً وأفاكا ولا وقفت حياتي بوق مظلمة ولا استملتُ لمن أهوى ويهواكا ولا يزحزحني عن مبدأي طمعٌ من عاش في ذاك يلقى الله إشراكا وما ولائي بأن أعطى دنيتها بالمكرمات وإن لم، قمت أشناكا لله ما عشته صدقاً لقيت به ظلماً يحرك أجراساً وأفلاكا فلا تُغر بهيئات مخادعة يعيشها البعض زُهّاداً ونساكا فابصق عليها ولا تحزن على زمنٍ ديست فضائله دوساً فأشجاكا وعش على الصدق إن الصدق راحلة تنجيك يوماً به يجفوك مولاكا تلك المراحل من عمري مررت بها أنساً، فشجواً، فزهراً عاد أشواكا كذا الحياة وقد غاضت نضارتها ستون عاماً تحيل الشهد فتاكا نسلو ونأسى وإن طالت على أمل إما نعيت أخاً أو بات ينعاكا فالله أدعو بما أرجوه يجمعنا في الخلد أماً وآباءً وأملاكا والصادقين ومن في الله ما عملوا والأهل والصحب، من والى ووالاكا