استمعوا الى أي مسؤول يتحدث في أية وسيلة اعلامية صغر موقع ذلك المسؤول أو كبر ولاحظوا لغة التبرير التي لا تفارق حديثه والتي يلجأ من خلالها الى تبرير اخفاق الجهاز أو الادارة التي يتولى مسؤوليتها, انه جاهز للرد التبريري وترديد عبارة كل شيء على ما يرام حتى ولو لم يكن هناك شيء على ما يرام, خذوا مثلا القبول في الجامعات والكليات العسكرية واستمعوا الى مسؤولي القبول وهم يتحدثون في الاذاعة والتلفاز فكل شيء تمام التمام بالرغم من ان المتقدمين يطب بعضهم في بطن بعض من شدة الزحام وقلة الترتيب الجيد من قبل الجهات المسؤولة عن القبول، وانا هنا لا أتحدث عن عدم قبول المتقدمين ولكن عن اجراءات القبول ذاته. الأمر نفسه ينطبق على مسؤولي الجهات الصحية والتعليمية والأمنية وغيرها، فالمريض يزداد مرضا وهو يراجع المستشفيات والمراكز الصحية، ومن يتعرض لحادث يصاب بالدوار والحمى من حرارة الشمس والدوريات الأمنية بعيدة عنه كل البعد, والتعليم وما أدراك ما التعليم بمناهجه ومدارسه أصاب الناس بالاحباط بل ان المخططين التنمويين فقدوا ثقتهم في أن التعليم القائم قادر على خلق أجيال قادرة على تحقيق ما يصبون اليه, وعلى ذكر التخطيط فانه لا يقل سوءا عما تم ذكره، وما المشاكل الصحية والتعليمية والأمنية الا نتيجة لضعف التخطيط لدينا. الغريب انه ومع اخفاقات هذه الأجهزة الا ان مسؤوليها لا يتورعون اثناء الحديث في وسائل الاعلام في الدفاع المستميت عن انجازاتهم وتبرير اخفاقاتهم، بل والأسوأ من ذلك ان العاملين في الحقل الاعلامي تشربوا هذه الطريقة واصبحوا يقودوا المسؤول من خلال اسئلة ايجابية مضحكة ومملة الى اتباع اسلوب التبرير هذا, والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نتوقع من هؤلاء القدرة على ادارة تلك المؤسسات وهمهم الوحيد هو تلميع أنفسهم أمام وسائل الاعلام وأفراد المجتمع؟؟ كيف يستطيع هذه الصنف من المسؤولين تطوير أجهزتهم وجعلها قادرة على ادخالنا الى عصر المنافسة العالمية وهم لم يقدروا بعد على الاعتراف بعيوب ونقاط ضعف تلك المؤسسات؟ والأهم من ذلك كيف يستطيع هؤلاء ادارة مؤسساتهم من الداخل وهمهم الأوحد التستر الاداري ودفن العيوب وعدم الاعتراف بها؟ اذا أردتم ان تلحظوا اثر لغة الخلاص من لغة التبرير وكيف اثر ذلك على تطوير الجهاز وتقدمه فتمعنوا في التطور الرياضي لدينا, في السابق كان هم القائمين على الرياضة وصحافتها تبرير اخفاقات منتخب كرة القدم لدينا, بل لعلكم تتذكرون الأسباب الثلاثة المشهورة الحكم والأرض والجو ولكن حينما تم التخلص من أسلوب التبرير والانتقال الى نقد الذات والاعتراف بالأخطاء ومن ثم التخطيط لتلافيها حدث التطور الرياضي المذهل والذي يستمر ما دام القائمون على شؤون الرياضة تجاوزوا لغة تبرير الاخفاق. خلاصة القول ان على القائمين على المؤسسات العامة لدينا ان يدركوا ان لغة تجهيل المواطن من خلال تبرير اخفاقاتهم مرحلة عفا عنها الزمن وعليهم ان كانوا جادين في تطوير تلك المؤسسات ونقلها الى الحقبة الزمنية القادمة التي تتطلب آلية مختلفة في التخطيط والأداء، ان يكتشفوا نواحي القصور ويعترفوا بها ويسعوا الى علاجها, بمعنى آخر ان عليهم ان يستبدلوا ثقافة التبرير التي تشربوها منذ صغر مواقعهم الادارية بثقافة التطوير، وحينما يحدث ذلك يكون لهم الحق ان يتحدثوا، وهو حديث سيكون مختلفا بالطبع.