(لو تعثرت دابة في العراق لخشيت أن يُسأل عنها عمر) هذه إحدى العبارات الشهيرة التي تعلمناها من مدرسة الفاروق عمر بن الخطاب، وفيها رسالة عميقة لمن يتحمل مسؤولية على عاتقه، وعتاب شديد لمن أدمن لغة التبرير في أعماله. مجتمعنا يعاني من «ثقافة التبرير» على مستوى الفرد والمؤسسة والأمة، فهو مرض نهرب به من الأخطاء التي نرتكبها عن طريق تبريرها وتعليقها على أقرب شماعة. التبرير هو نوع من الكذب على النفس، وتحول مع الوقت لآلية لا شعورية ندافع بها عن تصرفاتنا لتبقى مقبولة بأعين الناس، ونخفي خلفها حقيقة ذواتنا وأفعالنا وبواعثنا!. عندما لا نحصل على الشيء ندعي أننا لا نريده، وإذا كانت إمكانياتنا لا توفر ما نشتهيه قلنا إنه لا يناسبنا، وحتى الفقير يبرر فقره بأنه اشترى راحة باله لأن الأغنياء يحيط بهم الهم والغم. تكمن خطورة «التبرير» في أننا نجيز لأنفسنا الخطأ ونسوغ له، فنحن نحاول أن نحافظ على «الأنا» بالكذب عليها وتبرير فشلها وتقصيرها بطريقة منطقية مقبولة، فصرنا نطمس الأسباب الحقيقية عن طريق مبررات وهمية، فنحن كالمجرم الذي يحاول إخفاء أدلة الجريمة ثم يصدق أنه بريء!. عن طريق «التبرير» نتخلص من تأنيب الضمير، ونتحايل على النفس بالهروب من الخطأ إلى تبريره، فنحن صنعنا جداراً عازلاً بيننا وبين ضمائرنا عن طريق التبرير. ويتضاعف حجم الخسائر إذا كان المثقف والعالم والحاكم يسبحون في مستنقع «التبرير» لأن المجتمع بأسره سيدفع فاتورة هذا التجديف الذي يحاول إظهار إنجازاتنا بدون أخطاء. وعندما تتأمل المشهد السياسي والفكري تجد من يبرر كل تصرفات الكيان الذي ينتمي له، ويعتبر هذا نوعاً من الإخلاص والتفاني، ولا يعلم أنه يقوم بوظيفة تافهة مهمتها تبرير أخطاء الآخرين!. تربيتنا الآن تنذر بجيل من «المبررين الجدد» الذين لم يتعلموا الاعتراف بإخفاقاتهم وأغلاطهم، وللأسف يحترفون رسم المبررات الكافية لكل تهمة توجه لهم، فالطالب الراسب سيلقي باللوم على المعلم الفاشل، والطفل الصغير سيدافع عن نفسه بكل السبل ويملك الاستعداد لاتهام كل إخوته بالمسؤولية عن الأخطاء التي قام بها هو. إننا بحاجة للوقوف مع أنفسنا بصدق لأن استمرار «ثقافة التبرير» يعني توقف المشروع الإصلاحي للفرد والمجتمع، وأن نتوقف عن استغلال «الآخر» الذي نحمله كل عيوبنا، وتذكر أن أكثر الناس إجراماً يقتل عشرات الآلاف من شعبه ومع ذلك يجد من يبرر له ذلك.