قبل أيام قلائل فقدت الحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى نجماً بارزاً من نجوم العمالقة في حقبة الثمانينيات الهجرية ممن تألقوا بين العارضات الثلاث مع فريق أهلي الرياض - الرياض حالياً - ومنتخب الوسطى والمملكة آنذاك.. إنه الحارس الكبير (جوهر السعيد) الذي وافته المنية إثر مرض عضال لم يمهله طويلاً تغمده الله بواسع رحمته. * وبرحيل هذا الحارس العملاق - الذي ذاع صيته وعلا شأنه في تلك الأيام الخوالي - تفقد الساحة الرياضية أحد أبنائها الأوفياء الذين خدموا مسيرتها الرياضية بكل إخلاص وتفان.. باعتبار أنه لعب لثلاثة أندية شهيرة بالمنطقة الوسطى في لقاءات حبية وودية إلى جانب ناديه (الأهلي..)، وكان بالفعل نموذجاً للحارس المثالي خلال مسيرته الرياضية التي امتدت قرابة عقد ونيف من الزمن.. نجح في الجمع ما بين المستوى الفني والخلق الرفيع. * بدأت علاقته بكرة القدم وزاد عشقه لها.. بعد انضمامه لفريق شباب الناصرية - قبل حله - وتحديداً في منتصف عقد السبعينيات الهجرية من القرن الفائت، وكان هذا الفريق يضم أبناء جلالة الملك سعود (طيب الله ثراه)، وتزعمه الأمير ماجد بن سعود - رحمه الله - الذي نجح في إقناعه بالانضمام لشباب الناصرية مقابل إتاحة الفرصة له بمواصلة دراسته في معهد الأنجال (العاصمة حالياً). * ففي أوائل الثمانينيات الهجرية، وتحديداً بعد مجيء حركة تصنيف وتسجيل الأندية رسمياً التحق بصفوف فريق أهلي الرياض عن طريق رئيسه الراحل الشيخ محمد الصائغ (رحمه الله) - رائد الحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى - فتجلت موهبته الفطرية بصورة أكبر؛ إذ وجد فرصة تمثيل (مدرسة الوسطى) مبكراً في ظل وجود الحارس الكبير آنذاك (حامد نقادي)؛ فدخل معه في حلبة المنافسة نحو إثبات الجدارة والذات فكسب الجولة.. بإمكاناته الفنية العالية وقدراته البارعة التي كان يتمتع بها يرحمه الله. * بدأت شهرته تلوح في الأفق على مستوى المملكة بعد أن مثل منتخب الوسطى عام 86 - 1387ه، في دورة كأس المصيف لمنتخبات المناطق بالطائف، وجاء تألقه الكبير؛ فاستدعي لتمثيل منتخب المملكة؛ حيث شارك معه في لقاءات حبية وودية.. باعتبار أنه لم تكن هناك مشاركات رسمية للأخضر آنذاك، وكان أبرز مشاركاته حينما مثل أمام منتخب تونس عام 1387ه، في اللقاء الودي الذي شهده ملعب الصائغ وانتهى بفوز الأخضر (4-0) وكان (السعيد) جوهر نجم تلك المباراة، وجاء بروزه المباشر مع المنتخب؛ فانهالت عليه العروض من أندية الهلال والنصر وأهلي جدة، والأخير قدم له رائد الرياضة الأمير عبدالله الفيصل - رحمه الله - مبلغاً كبيراً من المال (...) مقابل ضمه للقلعة، بيد أنه فضل البقاء في صفوف المدرسة حباً وانتماءً لعشقه. * شكل مع حراس الثمانينيات العمالقة ياسين صالح وحامد نقادي وتركي بافرط وعيد الأبرز على مستوى المملكة، ولاسيما بعد مشاركته مع منتخب المملكة.. ونال خلالها لقب الأفضلية، وكان يعد في عصره أول حارس دولي يحظى بالسلام على جلالة الملك فيصل (رحمه الله)، وذلك بمناسبة فوز المنتخب على تونس في اللقاء الودي. * ومن الأشياء الجميلة في حياته الرياضية، وطبقاً لما ذكره الفقيد ل(الجزيرة) - الجريدة - في اللقاء التاريخي الذي نشر بالعدد رقم 10095 الصادر في 15-2-1421ه، أنه يعتز كثيراً عندما رشحه الأمير (خالد الفيصل) مدير عام رعاية الشباب أواخر الثمانينيات لتمثيل فرق الهلال والشباب والنصر في لقاءات ودية ضد بعض الفرق الزائرة للمملكة آنذاك، وجاء هذا الترشيح وهذا الاختيار تجسيداً لمستواه العالي وخلقه الرفيع كواحد من أبرز الحراس الذين أنجبتهم الكرة بالمنطقة الوسطى في تلك الحقبة الفارطة. * يقول أسطورة الوسطى في الثمانينيات الهجرية (مبارك الناصر) عن الفقيد إنه كان يتمتع بعلاقات واسعة مع الجميع، وكان الرمز الراحل أبو عبدالله الصائغ يقدره كثيراً لعدة اعتبارات، أهمها إخلاصه الجم وسلوكه الرياضي، وكذا انضباطه داخل وخارج الملعب. * ويقول أيضاً كابتن الهلال والمنتخب سابقاً (سلطان بن مناحي) عن رفيق دربه (جوهر السعيد) إنه كان يعتبر بطل المعسكرات بقفشاته وتعليقاته الساخرة التي دائماً ما تضفي جواً من المرح والسرور في النفوس؛ مما أكسبه محبة الجميع لطرافته وخفة ظله.. وأخيراً يبقى الحارس الراحل (جوهر السعيد) من نجوم الرعيل الأول الذين مثلوا الأهلي (الرياض) ضمن الجيل الذهبي لمدرسة الوسطى.. جيل زيد بن مطرف ومبارك الناصر وعبود بن رويجح وحامد نقادي وناصر بن سيف وعلي حمزة وطارق التميمي وبقية الأسماء الرنانة التي كانت تعج بهم خريطة المدرسة آنذاك. * وبرحيل (السعيد) جوهر.. صاحب البشاشة والابتسامة التي كثيراً ما رسمها على محيا زملائه اللاعبين بطرافته وعفويته وقفشاته التي كانت لا تخرج عن إطار الأدب والاحترام المتناهي.. برحيله تفقد (رياضة الوسطى) أحد أبنائها المخلصين ممن دعموا مسيرتها (فنياً) مع بقية النجوم في حقبة لم تكن الرياضة مقبولة اجتماعياً عند المجتمع النجدي.. هكذا رحل فقيدنا الغالي بصمت وهدوء، وقد ترك لنا سيرة رائعة وسمعة طيبة ستظل محفورة في الذاكرة والوجدان سنوات وسنوات.. والعزاء موصول لأسرة الفقيد وأشقائه، سائلاً المولى - عز وجل - أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.. و(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ). [email protected]