عندما أرى لاعبي كرة القدم وأتابع ما يتمتعون به من مكانة وعناية وحب واهتمام واحترام تأخذني أحلام اليقظة بعيداً بعيداً، وأتخيل نفسي لاعب كرة قدم يشار إليه بالبنان، ويقدره ويهتم بأخباره الجميع، ولا يهمني إن كنت لاعباً متميزاً أو موهوباً أو غير ذلك فالمحصلة النهائية أنني سأحصل على مرتب شهر معتبر، وعند الفوز في أي لقاء ستكون المكافأة مضاعفة، وعند الفوز بالكأس سأحصل كبقية زملائي على ما لا يقل عن نصف مليون ريال كما يفعل بعض رؤساء الأندية (المطنوخين) ناهيك عن المكافآت والهدايا والهبات التي يقدمها المعجبون وأعضاء شرف النادي المتعصبون. وما ألبث أن أفيق من أحلامي وأعود إلى دائرة الواقع والمنطق وأتصارح وأتصالح مع نفسي وأقنعها أن قدراتي ومهاراتي الرياضية لا تؤهلني لأن أكون لاعبا بارعا وماهرا ومبدعا يجري ويلهو خلف قطعة بلاستيكية كروية ساعة ونصف، وإن زادت فساعتين وبعد ذلك يجني الذهب والملايين والتكريم في المحافل المحلية والإقليمية والعالمية. ثم يشطح بي الخيال مرة أخرى فأتخيل نفسي ممثلا أو مطرباً (أو طقاقة) ومعذرة على هذه الشطحة الأخيرة، ولكن عندما أفكر في وضع الطقاقة بواقعية أجد أنها تحظى بالاحترام والتقدير والدخل الوفير أكثر مما يحظى به أصحاب الشهادات العليا، فمتوسط ما تتقاضاه الطقاقة في ليلة واحدة يعادل أضعاف ما أتقاضاه في شهر كامل وأضعاف أضعاف أضعاف ما يتقاضاه غيري في بعض المهن الشريفة الأخرى ولكنها (ما توكلش عيش). وبعد مد وجزر من خيالات وأحلام اليقظة أعود إلى رشدي وعقلي وأتذكر أن كلا ميسر لما خلق له وأن الأرزاق بيد الله الكريم وأن {مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}وأتذكر أن الدنيا فانية وأن هذه الأموال التي يعطيها الله للبعض ما هي إلا فتنة وابتلاء وامتحان لهم، بعد ذلك تهدأ نفسي وتقنع وتقول سرا وجهرا: طوبى لمن كسب حلالا وأنفقه فيما يرضي الله تعالى.