ابتداء: لا انكر ان الاخ الاستاذ فوزان الماضي استطاع أن يجبرني على الرضوخ مكرها للقبول بمعايشة وقت مستقطع بعيدا عن حلاوة شهر العسل الجميل,, ولكنني اعدكم أن اردها له خلال أحد أشهر العسل الأربعة المسموح بها شرعا,, وذلك عندما تكون لديه الجرأة والشجاعة لتذوق أحدها فعلا. أما قبل: (الاختلاف) و(الفساد) و(الرد): (قضايا) يجب ألا نذكرها نحن المنتمين للأدب بشتى صوره وفنونه,, وذلك لأن الوعي بها من بديهياتنا,, ولأن أدراكها بعمق هو المجداف الحقيقي للمبحر بصدق في عالم الأدب الواسع. اما بعد: فأقول للأستاذ الكريم ان تحديد مجال النقد بأطر الوزن والقافية عمل مجانب للصواب, وبه هضم حق هذا الفن العظيم,, فالنقد أوسع بكثير من أن يقيد بالوزن أو بأي جزئية أخرى,, ويسرني أخي الكريم وأنت الجدير بالاحترام لغيرتك الصادقة على الشعر لمجرد الشعر نفسه أن أوضح لك منهجيتي المحددة لقراءة ذلك النص باختصار شديد فقد كان المحور الاساس في تلك الوقفة النقدية هو (اسلوب الطرح ونوعية الخطاب في النص,, وما نتج عن ذلك من دلالات معنوية ولفظية متجهة الى أعماق النفس). وعلى ضوء ذلك أخي العزيز حاولت خلال تلك الوقفة النقدية أمام نص العوجان (غربة طفل) أن أغض الطرف تماما عن جوانب كثيرة في النص لكي افسح المجال كله لإشباع جانب واحد فقط هو ما تحتمله تلك الوقفة القصيرة، مع العلم انني لست مع تهمة اختلال الوزن الموجهة لذلك النص,, فتلك الوقفة النقدية لم تتعرض لجوانب كثيرة في النص أحدها الوزن وذلك لأنني قصرتها على ما لمحته في اسلوب الخطاب ودلالة المفردة في النص,, فقد حاولت أن ابرز تلك الجزئية وأوضحها,, وهو ما فعلت. وكما نعلم جميعا (الوزن) يذبح هنا,, و(القافية) تذبح هناك,, ولا يكاد يخلو حيز أدبي على امتداد القطر العربي من مسالخ الوزن والقافية,, مما يجعل مناقشة مثل هذه المسائل تطول وتطول. وما جعلني اخي العزيز اقف عند ذلك المحور متجاوزا الكثير من النقاط التي تحتاج مناقشتها نقديا الى اكبر من حيز تلك الوقفة النقدية هو انني لا أتعامل بقاعدة اللونين الابيض والأسود,, وذلك لأن الله قد انعم عليّ ببدائل كثيرة غير هذين اللونين، من هذه البدائل (الأحمر، والأزرق، والأخضر) وقد ألهمني بفضله وكرمه طريقة استخدام كل منها بالوقت والظرف المناسبين. أما مسألة اختلاف الموازين النقدية فلا ترجع الى سببين فقط كما ذكرتهما بل الى اكثر مما ذكرت. مع العلم ان الأمرين الذين ذكرتهما لا يكونان من تلك الاسباب,, فعدم التمييز وعدم التفريق بين الجيد والرديء كما ذكرت لا يكونان احد الأسباب المخلة بالموازين النقدية وانما يكونان سببا لعدم اهلية النقد اساسا,, فينتفي عندهما النقد من اساسه,, وكذلك المجاملة (السبب الثاني الذي ذكره الاستاذ الكريم) لأن النقد ما هو الا ادوات وموازين فنية نستطيع مجازا ان نعتبرها خالية من المشاعر الانسانية من حيث صدقها وبالتالي فهي لا تعرف المجاملة اما عندما اتحدث أنا بلساني بدون ادوات نقدية واضحة فهذه مسألة اخرى لا تمت للنقد بصلة,, تستطيع تسميتها ان شئت هذيانا. وأما مسألة الهمزة وصحة وضعها أو حذفها مراعاة للوزن فهي مسألة سهلة والقاعدة فيها واضحة,, فكلنا نحفظ الشطر الذي يقول: لابد من (صنعا) وان طال السفر,. و(صنعا) في هذا الشطر هي المدينة اليمنية المعروفة (صنعاء) بالهمزة,, ولكن (يا حرام) حذفت همزتها هنا بدعوى الضرورة الشعرية، مع أن الهمزة بها اصيلة كأصالة أهل (صنعاء). اذاً القاعدة تسوغ حذف الهمزة أو وضعها قصرا مراعاة للوزن بدعوى الضرورة الشعرية,, وان كان هناك أحد ينفي صحة هذه القاعدة فلا يناقشني بل يناقش كتاب (اوضح المسالك,,) الذي يدرس حاليا بالجامعات السعودية. وآمل لمن ينفي صحتها أن تكون لديه جرأة كبيرة لاقامة دعوى على مؤلف الكتاب بحجة تسميمه لأفكار الطلاب وتعويدهم على العنف المتمثل بحذف الهمزات حذفا بلا رحمة. واخيرا: يعلم الله وحده نقاء السريرة، ونبل الهدف، وسلامة المقصد والغاية المنشودة,, فألف شكر لربان مدارات الجزيرة، وللكاتب القدير الأستاذ فوزان الماضي، وللشاعر/ سعد العوجان، وللنص (القضية)، وللادوات النقدية المستخدمة,,كما آمل من الجميع طي هذه الصفحة معي لانها من الورق المقوى الذي لا استطيع طيه لوحدي,, والسلام.