شهد سوق الأسهم هذا الأسبوع موجة من الهبوط التدريجي البطيء، فعلى الرغم من المسار الصفري الذي ظهر كمسار رئيسي لحركة المؤشر، إلا أن هذا المسار كان يتحول لهبوط قاسٍ من يوم لآخر بشكل يخسر معه المؤشر نسباً ليست صغيرة. وعلى الرغم من ذلك، فقد أغلق المؤشر إغلاقاً إيجابياً رابحاً نسبة 1%، بل إن قيمة المؤشر تكاد تكون واحدة في إغلاق اليوم الأول من الأسبوع وفي يومه الأخير عند 7666 نقطة، رغم أن حصيلته الأسبوعية هي خسارة بنحو 233.12 نقطة أو ما يعادل 2.83%. فهل هذا التوحد بين قيم المؤشر محض للصدفة أم أنه أحد خطط صناع السوق ؟ وإذا لم يكن هذا التوحد صدفة، فماذا تخفي هذه الإغلاقات الإيجابية المفتعلة؟ أكثر من ذلك، ما هي دلالات تذبذب المؤشر ما بين مسار صفري وبين مسار هابط؟ المؤشر يخسر 2.8% رغم تساوى إغلاق المؤشر يومي السبت والأربعاء افتتح المؤشر هذا الأسبوع عند 7889.7 نقطة والسوق تسوده حالة من التشاؤم نتيجة التأثر بما روج من شائعات الأسبوع الماضي حول اقتراب موعد بدء الاكتتابات الضخمة، الأمر الذي تسبب في إغلاق المؤشر يوم السبت عند 7666 نقطة خاسراً 2.8%. ثم ارتد يوم الأحد ليغلق عند 7812 نقطة وليربح 1.91%. ثم عاود الهبوط مرة أخرى يوم الاثنين عندما أغلق عند 7614 نقطة ليخسر 2.54%. ثم يوم الثلاثاء خسارة طفيفة بنحو 0.31%. وأخيراً ارتد يوم الأربعاء ليغلق عند 7666.62 نقطة رابحاً نحو 1%. والأمر المستغرب هو تعادل قيم إغلاق المؤشر يومي السبت والأربعاء عند 7666 نقطة تقريباً. إن هذا الأمر لا يبدو صدفة بقدر ما أنه يرمي إلى إحداث نوع من الخداع البصري لدى المتداولين. فكثير من المتداولين يرى المؤشر كما لو لم يخسر شيئاً، إلا أنه خسر في الحقيقة حوالي 223.12 نقطة أو ما يعادل 2.83%. تماسك مستوى مقاومة المؤشر عند 7500 نقطة رغم أن المؤشر سار في مسار تذبذبي يميل للهبوط هذا الأسبوع، إلا أنه اختبر أكثر من مرة مستويات مقاومته عند 7500 نقطة، حيث ارتد يوم الأحد عند ملامسة 7499 نقطة، كما ارتد يوم الثلاثاء عندما لامس 7512 نقطة. وهو الأمر الذي يدلل على تماسك مستوى 7500 نقطة حتى الآن. افتعال إغلاق إيجابي باستخدام سابك ... كيف ولماذا ؟ لقد اعتاد الجميع على أن يكون الإغلاق الأسبوعي وأحياناً الشهري إغلاقاً إيجابياً، حتى أصبح الكثيرون يراهنون على حدوثه في الساعات الأخيرة من كل يوم أربعاء. وقد جاء هذا الإغلاق هذا الأسبوع بشكل لافت للنظر لأنه حدث بقيادة سابك (وتحرك الاتصالات والكهرباء) التي قادت معظم أسهم السوق إلى الصعود والارتداد. إن الإغلاق الإيجابي عندما يحدث بقيادة سابك وفي يوم واحد وبشكل تخالف فيه اتجاهها الأسبوعي إنما يؤكد أنه إغلاق مفتعل أو مخطط. فسهم سابك منذ يوم السبت الماضي يسير في مسار هابط خسر خلاله معظم مكاسب الموجة الصاعدة التي صعدت به إلى مستوى 131 ريالاً، لدرجة أن حجم خسائره وصلت في صباح الأربعاء الأخير إلى 14.1%. ثم وفجأة وبدون أسباب معروفة ارتد السهم - بعد ستة أيام تقريباً من التراجع - ليغلق عند 115.5 ريال، وليربح نسبة 2.21%. إنه يمكن رصد عدة مبررات تؤكد مساعي الافتعال الإيجابي وبقوة من خلال سابك كما يلي : 1- تحركات سابك منذ صباح الأربعاء بعد ستة أيام من الهبوط والاحمرار وبلا محفزات ترتبط بالشركة. 2- أنه رغم تحرك السهم منذ صباح الأربعاء ليدور في فلك 113 إلى 114 ريالاً، إلا أن مساره الصاعد تسارع خلال ساعة الإغلاق الأخيرة ليلامس مستوى 116 ريالاً. 3- أنه كان واضحاً أن هناك منطقة مرسومة لتحليق سهم سابك لا تتعداها، وهي منطقة ال 116 ريالاً التي ارتد عند ملامستها من خلال تحريك عروض كثيفة عند النصف ساعة الأخيرة حافظت على سابك أسفل ال 116 ريالاً بعد ضمان ربحية المؤشر ل 1%. بدليل أن الطلب القوي انعكس ليصبح عرضاً كثيفاً بعد ملامسة 116 ريالاً. المحاذير الاستثمارية في الأسهم القيادية هي سبب اشتعال المضاربات فيها: كثيراً ما يسأل المتداولون حول جدوى الاستثمار الآمن في الأسهم القيادية الرابحة خلال هذه الفترة ؟ إن هذه الأسهم فعلاً رابحة ولا غبار عليها، ومؤشراتها المالية جذابة جداً. إلا أنه كثيراً ما يحدث نوع من الإهمال للسعر السوقي للسهم مع التركيز على مؤشراته المالية فقط. فالسعر السوقي يمثل أحد أهم المعايير التي قد تسبق هذه المؤشرات كافة وبخاصة في الأسواق التي تمر بتصحيحات أو ما شابهها. فسابك والاتصالات والراجحي والبنوك والأسمنتات وبعض الصناعيات هي أسهم لشركات رابحة ذات عوائد ومعظم المؤشرات المالية لهذه الأسهم وصلت إلى حد الجاذبية، إلا أن هناك أمراً يوجب الحذر في القول بصحة الاستثمار فيها أو بالنصح بالدخول الطويل بها. فرغم أن أسعارها انخفضت كثيراً عنها منذ عام، إلا أن المسار الهابط لم ينتهِ بعد، ومن ثم فحتى رغم التوقعات الكبيرة بريحية وعوائد هذه الشركات، إلا أنه لا يعلم أحد حتى الآن كم يمكن أن تخسر إنْ عاود المؤشر الهبوط في مساره التصحيحي. إن المقارنة ببساطة هي بين كم يمكن أن تحقق لي هذه الأسهم من عوائد سنوية (وهي معدلات يمكن توقعها بسهولة) وبين كم يمكن أن تخسر في ظل المسار الهابط للمؤشر. فإذا كان أحد هذه الأسهم سيحقق لي عائداً سنوياً 7.5%، ولكن لا قدر الله حدث هبوط في السوق تسبب في انخفاض سعر السهم بنسبة 15%، فإن ذلك يدلل أن عوائدي في السهم لمدة عامين قد تتلاشى تقريباً. أي أن عدم تأكد انتهاء المسار التصحيحي تثير محاذير استثمارية حول درجة الأمان الاستثماري في هذه الأسهم. لكل ذلك، فقد صارت هناك قناعة لدى الكثير من المتداولين نتيجة ركود هذه القياديات ورتابة تحركاتها، قناعة بضرورة المضاربة فيها أو الخروج منها، الأمر الذي أدخل هذه الأسهم حظيرة المضاربات المشتعلة، وذلك من خلال انتشار منطق جديد هو: أنت إن استثمرت في الأسهم الخاسرة يمكن أن تخسر أو تربح أما إن استثمرت في الأسهم الرابحة فأنت إما ستظل مكانك أو تخسر. إلا أن ما يخفى على هؤلاء أن تحركات هذه القياديات ليست رتيبة بطبيعتها، ولكن بطبيعة أنها تستخدم كورقة هامة في إدارة صناع السوق لحركة المؤشر، ومن ثم فهي محط أنظارهم. لذلك، فإنه يمكن القول بصراحة إنه لا مفر من اختيار طريق من ثلاث : * إما المضاربة في الأسهم القيادية بشكل يحقق عوائد مضاربية توازن معدلات الهبوط إن عاود المؤشر - لقدر الله - الهبوط من جديد. * أو وضع خطة استثمارية طويلة الأمد بما لا يقل عن 10 سنوات مع التأكد من عدم الاحتياج لهذه السيولة تماماً، وبالتالي الابتعاد عن شاشة التداول حالياً. * أو الخروج من السوق وترقب انتهاء المسار التصحيحي والدخول من جديد عندئذ أو على الأقل ترقب نقاط الانطلاق في موجات الصعود القصيرة التي تحدث بين الحين والآخر. ما هي دلالات تذبذب المؤشر ما بين مسار صفري وبين مسار هابط؟ إن تحرك المؤشر في هذا المسار الصفري المائل للهبوط إنما يشير إلى أن دورة تنتهي ولكن يصر بعض كبار المستثمرين على مساندة المؤشر حتى يخرجوا عند أفضل مستويات سعرية ممكنة. فالكميات التي تظل في جعبة كبار المضاربين بعد انتهاء كل موجة صاعدة ليست بالقليلة، فهم يدركون أنهم إن خرجوا مرة واحدة لانهارت أسعار الأسهم التي يضاربون فيها. لذلك، يفضلون الخروج التدريجي بقدر الإمكان، بحيث يوازن هذا الخروج بين البيع بأعلى سعر ممكن وبين الحفاظ على مستوى الزخم في هذه الأسهم. إن المسار الصفري المائل للهبوط يكلف صناع السوق أموالاً طائلةً، ولكنها تحفظ لهم أسعار ما تبقى في أيديهم من أسهم حتى اكتمال خروجهم منها. إلى أين يسير السوق ؟ رغم أن المؤشر يسير منذ عشرة أيام تقريباً في مسار تذبذبي ما بين هبوط وصعود، إلا أنه كل يوم أو يومين يخسر بضعة عشرات من النقاط كحصيلة صافية. إن هبوط سابك من 131 إلى 112.5 ريال وأيضاً هبوط الراجحي من 116.50 إلى 86.50 ريال، إنما يدلل على اتجاه الصناع لأسفل، فعندما كانوا يرغبون في تسنيد الموجة الصاعدة منذ ثلاثة أسابيع حافظوا على مسارات هذين السهمين تحديداً عالياً وكانوا كل يوم يضيفون زخماً جديداً إليهما حتى ارتقوا إلى قممهم عند 131 و116.50 ريال. ولكن تركهم أو لنقل الضغط عليهما للوصول إلى قيعان الماضي، لهو أمر يثير الشكوك حول نياتهم في القاع الذي يبحثون عنه. وهنا يوجد احتمالان لمسارات شهر أبريل : 1- إما الوصول إلى قاع قريب تعقبه تهدئة وموجة صاعدة قصيرة ثم معاودة كامل القصة من جديد. 2- أو الوصول إلى قاع عميق يمثل نهاية المطاف تتم عنده حلحلة السوق كاملاً وتقسيمه وإطلاق صانعه. وهنا تكون هذه الأيام هي آخر أيام عهد الأرباح الجنونية من المضاربات. إلا أن تعليق اكتتابات الإنماء وكيان وعمر وأخرى، فضلاً عن التوقعات في التفكير في خصخصة وإطلاق اكتتابات القطبين الكبيرين قريباً، لتدلل على أن الأمر لا يزال سيأخذ بعض الوقت لأن هذه الاكتتابات سيتم معظمها حتما قبل الوصول إلى مرحلة السوق الهادئ، بل إن هذه الاكتتابات قد تمثل نقطة الانطلاق إلى بداية القاع الأخير ومن ثم الهدوء التام. (*) محلل اقتصادي ومالي [email protected]