لا أتخيل موقعاً قفراً دون أي أثر منكِ,,. ذلك لأنكِ تملأين كلَّ المواقع,,. لكن شيئاً واحداً كنتُ أتخيَّله,,, أن المواقع ترنو إليكِ وتسعى,,. أتدرين أن كلَّ شيء يتحرك في هذه الدنيا,,,، وأن حركته تنجذب بفعلٍ خفي,,. و,,, هل تدرين كلَّ سرِّكِ الخفي,,, هو أنَّ كلَّ شيء مشدود لكِ حتى المواقع؟ حتى الأشياء الصغيرة والكبيرة,,!،,,, حتى الملموسة والخفية,,؟،,,, حتى الظاهرة والمختبئة,,,؟,,, الحروف فيها، والأرقام، والأسماء، والأشكال، والأقوال، والأفعال,,,؟!، لا تعجبي أنّ كلَّ من يعرفكِ يحبكِ,,. وأنَّ كلَّ من يفتقدكِ يحنُّ إليكِ,,. وأن كلَّ من يراكِ يسعد بكِ,,. وأنَّ كلَّ من يشتاق إليكِ,,, يبكي,,. يبكي حرقة البعد، ولهفة اللقاء، وحنين الشوق,,. لكنّه لا يبكيكِ,,, لأنكِ باقيةٌ,,,، موجودةٌ,,,، لا تنتهين,,. بالأمس,,. وضعتُ يدي على سماعة الهاتف,,,، بدأت أوّل رقم لكِ في ذاكرتي التي عمرَتها كلُّ حركةٍ، وصوتٍ، وشكلٍ، ورائحةٍ لكِ، ومنكِ، وعنكِ,,. توقفتُ فجأة,,. لستِ هناك,. دموعي انهمرت,,, وكالطفلة تشبَّثتُ بسماعة الهاتف,,, تُرى كيف يأتيني صوتُكِ عبر هذا الرقم,,, وقد غادرتِ موقعَه؟,,. لكن,,. أنتِ لم تغادري، أنتِ موشومة، فيه,,. طويتُه في تلافيف مُخِّي، وأعصابي، ومسارب الحسِّ في دخيلتي,,. ومسحتُ دموعي,,, لأنَّني عرفت بقية الطرق إليكِ,,. وما عاتبتني سوى نفسي,. قالت: ويحكِ، أتبحثين عمّن هي أنتِ؟,. أتبحثين عنِّي خارج عنِّي؟! لَملَمتُ طرف ثوبي,,, وهرعت إليكِ,,, فقد كنتِ في انتظاري نقلِّب دفتر الحنين,,. أصبحتِ أسطورة الشوق لكلِّ الذين تعرَّفوا إليكِ هنا,,. وأطللتِ على كلِّ الذين يتحلقون حول هذا المعين الذي هو أنتِ,,. فكيف قد صنعتِ بي,,. إن كنتِ قد صنعتِ بهم ذلك؟,,. وأنا أنتِ؟ أما هم فإنهم يحتذون,,,؟ مساء البارحة,,. جئتِني في المنام,,. مسحتِ على رأسي,,, فُتح فيه ألفُ باب,,. أخذتُ من يدكِ مفاتيحها، وبدأتُ ألج كلَّ واحد,,. نقلتِني إلى عوالم خرافية، رأيتُ بحور الضباب، وأنهار الدخان، وأودية الطيور، وروابي الفراشات، حتى الأزهار كانت تتكلم,, تتحرك,,, تطير,,, تقع,,, لها أشكال جميلة، حتى الهواء ينطق، والدخان أبيض، والضباب أزرق، والمياه كانت تطير,,, تطير,,, وكنتِ تجرين أمامي وخلفي,,, تداعبينني برشقاتها,,, حتى إذا ما توقفنا نستعيد شيئاً من سكينة نبضنا,,, عادت إلينا ملائكة الابتسام، والضحكِ,,, والفرح,,, والانتشاء كي تبدأ معنا رحلة الرحيل بين الألف باب,,. شعرت بأن رأسي بكِ تحوّل إلى كيان ملكوتي مليء بعوالم لا من يدركها سواكِ فأنتِ سيدة كلِّ شيء في داخلِ هذا الكيان الذي هو أنتِ الذي هو أنا,,, نسيتُ أن أقول لكِ,,,: إنَّ أحد الأبواب قادني إلى فضاء مليء بأشجار بنفسجية، وردية، بيضاء، عصافيرها، وثمارها، وأوراقها، من الورق، كلُّها ورق، كلَّما نظرتُ إلى ورقة منها كانت تحمل وجهكِ الجميل,,, حتى تحوَّل هذا الفضاء الى تفاصيلكِ,,, وتحوَّل إلى كلّكِ,,. أتدرين ماذا فعلتُ؟ أخذتُ مفتاح هذا الباب,,, وسَّدتَه جوفي,,, فرشتُ له حجرات قلبي,,, قلت له: تسيّد هنا,,, لا ينازعك أحدٌ,,. ذلك لأنَّكَ حارس وجهها وتفاصيلها,,. هناك خزَّنتُ صوتكِ,,, كلامكِ,,, عطركِ,,, ورقكِ,,, ذلك الذي تخربشين فوقه وتهزجين,,. وحملتُ أهزوجتكِ قنديلاً,,. مررتُ بها على الحجرات كلِّها كي يكون نغمكِ سائداً في أجوائها,,, يملؤها عبقاً وألقاً كما أنتِ,,, وكما أنكِ تتألقين,,. تذكرين حين رشفتِ شيئاً من عصير الشمام,,. كيف كان طعمه,,. نثرتُ ذلك الطعم في تربة تلك الحجرات,,, وغادرتُ,,, وتركتكِ هناك,,. أنتِ الآن تطلين منِّي عليَّ وإليَّ وحولي,,, ومعي,,. أدري أنكِ لا تريدينني أن أسكبَ أية دمعة,,. لكن هل تدرين أن دموعي هي بخار أنهاركِ وبحوركِ ونداكِ,,. حيث أغتسلُ,,, من الشوق,,, كي أواجه الشوقَ,,,؟! ذلك لأن لا موقع قفراً في أية ذرة في الحياة، أو فيَّ,,. حيث أنتِ الحياة,,. وحيث أنا أنتِ,,. فانعمي في عالمكِ الألفي باباً,,, كي تمنحي المحتذين مفاتيحها,,. علَّهم يلجون,,. ذلك لأنكِ مدرسةٌ للطهر والنقاءِ والحبِ والجمالِ,,. بشيءٍ قليلٍ منكِ,,,، يكون للآخر كلّ الآخر مسحة من النقاء,,. وحيث هذا يكون,,. أتمادى بكِ,,, أتمادى,,. فكلُّ الوجوهِ منكِ,,. وكلُّ المواقعِ بكِ,,. وكلُّ المدى تكونين حيث إنكِ لأنتهين