غاض الوفاء، وفاض الغدر، وانفرجت مساحة الخلف بين القول والعمل لحاك الله يا طغرائي! نطقت شفتاك بهذا البيت قبل بضعة قرون و ليت شعري ما الذي دعاك لقولك هذا؟ بل ما الذي دعاك لصوغ لامية العجم؟ يقيناً لو أنك قفزت من عصرك إلى عصرنا لفرحت ودهشت بالطرق الفسيحة، والعمارات المنيفة، ومياه تجري بلا أنهار، وجسور معلقة بلابحار, لكنك سرعان ماترى ياطغرائي عجباً، سيقول لك البائع، في الحكومة أو في القطاع الخاص، وبعد لأي ومشقة: طلبك غير موجود، لكن إيه رأيك في النظام؟ فما تراك تقول لو كنت بيننا؟ ** عندما تُذكر كلمة قيم أو شرف او أخلاق فإن أول ما يقفز إلى أذهاننا، نحن بني يعرب هو عفة الفروج وما يحيط بها, ليس هذا ما أتحدث عنه، بل أتحدث عن القيم بصورة عامة: قيم المواطنة والعمل والتعامل. ** أمضيت نصف ما مضى من عمري أعمل في مركز حكومي، ومع أنه كان مركزاً متميزاً نسبياً عن القطاعات الحكومية الأخرى إلا إنه قد ألم به ما ألم بالأخرى، وعلى صلة مباشرة بالضرورة بالقطاعات الحكومية الأخرى, كنتُ اضيقُ ذرعاً بالبيروقراطية وروتينها المتكلس، كنتُ أرى التسيب الوظيفي اللامبالاة وكأن الموظفين أطفال جمعية خيرية للرعاية, كنتُ أرى العقليات الإدارية تبدع في اختراع العقبات، و,,و,, وتركت العمل الحكومي وانطلقتُ إلى السوق,, ففوجئت بأمراضه الكبيرة، واكتشفتُ أنها حالة عامة وأنه مرض اجتماعي اسمه أنا وبس! مصلحتي قبل كل شيء وعلى حساب أي شيء , وعرفت ُ أن طريقتنا في السواقة تعكس طريقتنا في الحياة. ** فرض علي عملي الجديد التنقل بالسيارة أكثر من ذي قبل، وأن أتعامل مع جهات القطاع الخاص، وجهات حكومية بحكم الضرورة, كنتُ دائماً أقول ومازلت إن أقسي عقوبة توقع علي أن أعمل سائقاً عاماً أو خاصاً في السعودية وخصوصاً في الرياض حيث ُ أقيم, السواقة لدينا مهزلة تراجيدية، أو كوميديا سوداء كما يقول أهل الدراما، وأمر مضحك ولكنه ضحك أشبه بالبكاء كما يقول المتنبي,سق سيارتك كما تريد، أدخل من اليسار إلى اليمين وبالعكس متى شئت, أوقف سيارتك أني تحب وايان خطر لك, لا تأبه بغيرك, أعمل مابدا لك وأفعل على هواك والمهم أن تصل إلى غايتك. حارة كل مين إيدو إلو كما يقول بدري أوكلبشة لاتناغم ولاانسجام, لا تدري متى تنعطف السيارة التي أمامك ولا متى تقف, تفاجأ بمن يندفع من طريق جانبي مغمضاً عينيه متسلحاً بقوة قلبه ليتجه إلى الجانب الآخر لأنه يريد أن ينعطف يساراً أويستدير إلى الخلف يو تيرن ! أنت تحترم نظام المرور هذه مشكلتك أو أنت لاتحترمه فهذا حقك, سق كما تريد، ولكل حادث حديث. مقاولو الصيانة ينفذون مشاريعهم كما يريدون: فجأة تجد منفذاً مسدوداً من اجل إصلاح الطرق، أوطريقاً يضيق فجأة من أجل الصيانة, المقاول لا يتعب نفسه في احترام مستعملي الطريق، ببساطة لأن من يقوم بالرقابة عليه ألا يقوم بها، والمسئولون عن الرقيب مشغولون في شغل. نامت نواطير الشوارع عن ثعالبها , سيارات المرور وأفراد المرور يقفون كفزاعات فقدت هيبتها في مزرعة استباحتها الغربان, لا يحركون ساكناً وكأن فوضى المرور لا تعنيهم, يرددون أكليشيه مكررة السرعة الجنونية وقطع الإشارة الحمراء وكأن مايحدث قدر لا يستطيعون له رداً, هم فقط بانتظار وقوع حادث مروري، ليعلوا قلب الضحية والمعتدي بنظام عقيم قديم. المبدأ في السواقة أن تصل إلى هدفك بيتاً أو عملاً أو دكاناً بالطريقة التي تريدها, إنها حالة عامة إيجازها: اللامبالاة، وهنا المأساة. ** في العمل الحكومي أو التجاري افعل ما تريد، وكيف شئت كي تصل الى هدفك مشروعاً كان أو غير شرعي, افعل ما تريد شريطة أن لا تزعج الرقيب النائم. وألا يغضب منك المدير, أما إذا كنتَ صديقاً لمدير المدير فلا تأبه بمديرك فغرفته ذات أربعة حوائط وليختر أي جدار ليخبط به رأسه. ** صديقي باسل مهووس بالعمل حمار عمل كما نصف من يأخذ مسئوليات عمله بجد واهتمام, طبيعة عمله في التخطيط تتطلب الاتصال مع كل الإدارات الاخرى, في نهاية كل اجتماع يقول للطرف الآخر: متى ستقدم مقترحاتك أو آراءك أو,, أو,, يرد الآخر: يوم الأحد القادم بإذن الله فيقول : حسن! ليكن الأربعاء الذي يليه ويمضي أربعاء يتلوه آخر ويتبعه ثالث فلا يأتيه شيء. وأعير صديقي باسل لإدارة مشروع خاص قيد الإنشاء, ومنذ أسبوعين اتصل بي شاكياً وكان يوم أربعاء، ليقول: فهد! إيش اللي يصير؟ لقد كان متفقاً مع 17 جهة مختلفة من بين موردي أجهزة وأثاث مكتبي ومعدات طبية ليرسلوا عروضهم إليه في يوم معين, وفي الموعد المضروب لم يصله شيء من أية جهة, انه يمثل منشأة قطاع خاص وتعامله مع مؤسسات قطاع خاص, ولا تستطيع تلك المؤسسات أن تبرر تلكؤها بأن مستحقاتها تتأخر في الدولة، وأن وزارة المالية تعل قلوبهم لإنجاز المستخلص, كلا إنه ها وها، أي يداً بيد. لم يدر باسل لسذاجته التي تشبه سذاجتي بأنّا أطفال الأربعاء كما يقول الإنجليز والأربعاء كما يقول المصريون في وسط الاسبوع مالوش لازمة ! ** لم يدر باسل أني اتفقت مع مطابع البلاء (وهذا وزن اسمها) في شوال على مطبوعات لعيادتي وجاء صفر ولم يأتني شيء منها. ولم يدر أني استجدي أهل الكمبيوتر ليأتي الفني لحل معضلة بسيطة, والحديث عن الكمبيوتر ينكأ الجراح وينز الصديد: تخيلوا، بحسبة بسيطة أي مشروع كمبيوتر مثمر في النهاية لأن الكمبيوتر يتطور كل يوم, وما تقتنيه اليوم، سيكون قديماًوبطيئاً بعد غد, ولكن هذا لا يكفي النهم والجشع والطمع: تخيلوا أنك تطلب كمبيوتراً ذا سرعة معينة، ويعطيك البائع كمبيوتراً على طلبك وتتوالى اسطر الشاشة لنقول لك ان السرعة كما طلبت وأن حجم الذاكرة كما دفعت لها, ثم تفاجأ أنها هذه المعلومات على الشاشة فقط بينما هي الحقيقة غير ذلك! وأدهى من ذلك أنك تبعث بالجهاز للإصلاح فيعود إليك وقد تم تشليحه من الداخل ووضعت قطع رديئة بعد سرقة القطع الجيدة. الأمر شبيه بأن يذهب أحدهم لإجراء عملية استئصال للزائدة فيتم إجراء العملية بنجاح ولكنه لا يدري أن كبده قد أخذت ووضعت محلها كبد مهترئة, والحمد لله أن هذا لا يحدث لأن الطب لم يتقدم إلى هذه الدرجة. ** عم أتحدث وعم اسكت؟ منذ أيام ذهبتُ إلى الصيدلية طلبت قطرةً للعين ذات تركيب معين وأحضر الصيدلي نوعين ولما لم أكن أعرفهما سألته إذا كانتا تشبهان قطرة مصرية فأحضرها لي, كانت الثلاث متشابهات من حيث التركيب والمفعول, ولكنه لم يقدمها لي ببساطة لأن سعر الأخيرة نصف سعر السابقتين. قد يقول مدع في العلم فلسفةً هذا لأن الصيدلي مقيم وليس مواطن وهذا كلام سخيف فصاحب الصيدلية سعودي وهو من يملي الشروط. في السواقة نضع اللوم على السائق الأجنبي وننسى أن الآسيويين الذين يسوقون في لندن أكثر من الآسيويين في الرياض, ولكنهم هناك يسوقون بانضباط لندني. في المستشفى كانت بعض الأدوية تنقطع بدعوى أن المورد لم يحصل على مستحقاته ونقول هذا حقه, ولكن في صيدليات القطاع الخاص تختفي الأدوية ويمشط المراجعون المدينة صيدليةً بعد أخرى ولا يجدون الدواء, فما حجة المورد؟ ** أمر الصيدلية يهون أمام إساءة الممارسة الطبية, أتصدقون أن بعض الأطباء النفسانيين يضع عند الأخصائي النفسي (غير طبيب) وصفات ممهورة بتوقيعه ويقول له هذه للاكتئاب وتيك للقلق وتلك للمرض الفلاني, والأخصائي يقدم نفسه إلى المراجع على أنه دكتور (ولا يحمل درجة دكتوراه) والمراجع المسكين ينادي الأخصائي بالدكتور، فلايشك بصحة تلك الوصفة, ثم يشتكي الطبيب النفسي الاحترام المفقود بينه وبين الأخصائي النفسي. ** لا أدري كيف يفسر الآخرون مقولة عثمان بن عفان التي تردد دائماً إن الله يزع بالسلطان مالايزع بالقرآن ولكني اعتقد جازماً أن تفسيرها يعني أن الوازع الداخلي لايكفي ولكن الوازع الخارجي هو المحك. أدراج الهيئات الحكومية تمتلىء بالأنظمة نصفها هالك ومتكلس،والنصف الآخر جيد ومفيد ولكنه لايطبق إذ لانملك أجهزة تنفيذية كافية وعلى المتضرر اختيار الجدار المناسب. اليس غريباً أن المبدأ السائد هو قال من سمح لك؟ قال من ردني ** عفواً ياطغرائي لكنك فلت أعلل النفس بالآمال أرقبها وهذا عزائي, وهذه بارقة أمل: في اليوم السابق لكتابة هذه المقالة اشتهيت حلواً (فالوذج أو لوزينج كي يفهم الطغرائي), وذهبت للقيلولة بعد الغداء, وعندما استيقظت فاجأتتني المدام (الزوجة للطغرائي ايضاً) بإحضارها صينية حلوى من السيفوي ولكنها لم تكن طازجةً كما يجب, اتجهت خارجاً إلى عيادتي وقالت لي أم العيال إنها هاتفت السيفوي محتجة على رداءة الفالوذج فطالبوا إرجاعها وإبدالها أو استرجاع قيمتها, وعندما قالت لي أن آخذها إليهم في طريقي لم اصدق وتلكأت ولكن أمام إلحاحها فعلت, وفوجئت بالمسئول وهو آسيوي بالمناسبة، أي مقيم وليس مواطناً يأخذ طبق الحلوى وقد أكل منه ويعتذر بل ويشكرني لأني لفت نظره إلى أمر قد غاب عنه, خرجت من المحل أقرص نفسي كي أرى إذا ماكنت نائماً؟ تطلعتُ حولي في الشارع الفسيح، المكان هو المكان، والزمان هو الزمان، ولكن الناس كما يقول ابن زيدون أخياف، كرام وخساس ** زمان، كان عدد من طلبة الثانوية المعمرين في مدينة الطائف يجتمعون في ليالي السمر وأحدهم يعزف على العود وقد أطلقوا عليه اسم أحمد زمبليطة, واحتج أحمد، وبعد مدة قبل أصدقاؤه احتجاجه فعدلوا اسمه إلى علي زمبليطة. مع التحية لكل المؤسسات التي في طريق الخصخصة وإلى المواطن ومتلقي الخدمة الذي لا قبيل له. * عفواً، أنا متشائم بيد أني لستُ يائساً! مارأيك ياطغرائي؟ fahads@ suhuf.net.s