ما أجمل أن استفتح هذا البديع بالإخاء، وهو منقبة من مناقب بني البشر، وخُلَّة من الخلال المحمودة، التي حثت عليها الكتب السماوية، وعمَّق الإسلام الإخاء في أفئدة المؤمنين فأصبح منهاجاً لحياتهم، وديدناً لسلوكهم, وهو في ذاته متعة وإشباع ولذة, وآثاره واضحة المنافع محمودة العواقب, وإخوان الصفاء، ذخائر للفتى، وزينة في الرخاء، وعدة للبلاء، ومعونة على الأعداء, وكم صديق كان مرآة لصديقه، يريه سيئاته فيتلافاها، وحسناته فيحمدها ويدأب على فعلها, وخير الإخوان من أقبل عليك إذا أدبرت الدنيا عنك, وسُئل أحدهم: كم صديقاً لك؟ قال: لا أدري: الدنيا مقبلة عليَّ والناس كلهم أصدقائي، وإنما أعرف ذلك إذا أدبرت عني, وقال علي رضي الله عنه: لا تقطع أخاك على ارتياب، ولا تهجره دون استعتاب. قال الشاعر: إذا ذهب العتاب فليس ودّ ويبقى الود ما بقي العتاب ومعاتبة الأخ خير من فقده، وشواهد التأريخ مليئة ببحور من الإخاء الصادق الذي كان نتاجه الظفر والعز والسؤدد, وإضافة صديق خير من معاداة آخر، فلا يستقلل المرء عدواً واحداً، ولا يستكثر ألف صديق, ولا يستبدل الصداقة بالعداوة، والمرء كثير بإخوانه. والإخاء ضروب وأصناف, فمن الإخاء ما يكون شمعة مضيئة وقوة دافعة، وملجأ بعد الله, فإلى من أحببت، تأوي وبه تستنجد وإليه تهفو، إذا كشرت الدنيا عن أنيابها، وأخذت تموج كموج البحر, ومن الإخاء ما يكون صحبة ومحبة, فالى من آخيت تأنس، وبحديثه وبأدبه تستمتع, وبمرحه تروّح عن نفسك وذهنك، ومن الإخاء ما هو مشاركة مباشرة في الأموال ومصالح، وسماحة في المعاملة فما من أحد إلاّ ويتجاوز عن صاحبه، ويغض طرفه بين الفينة والأخرى، ويسد نقص أخيه. وكسب الإخوان يحتاج إلى المحبة الصادقة، والإخلاص، والصفح، والوفاء، ولين العريكة، وحلاوة المعشر، قال الشاعر: وجه عليه من الحياء سكينة ومحبة تجري مع الأنفاس وإذا أحب الله يوماً عبده القى عليه محبَّة للناس ما أجمل الإخاء, وما أسعد الإخوان، عندما يسود الود، وتتعمق المحبة. *نائب مدير عام المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق