شاعر غني عن التعريف وما تواجدي هنا بين شذرات إبداعه إلا محاولة أن أجمع بعضا من حزم الضوء المتناثرة من نصوصه في بوتقة اللحظة والنشوة والمتعة الأدبية. فالمتتبع لقصائد لافي حمود يلاحظ عليها الجزالة والرصانة في بناء متكامل ووحدة موضوعية للمشهد الشعري الذي يطرحه لنا دونما تكلف أو تصنع فلغته غنية بالمفردات الجميلة ومعانيه مليئة بالتصوير الدقيق المعبر عن كينونة الرؤية المراد إيصالها دون ابتذال يُفقد الهدف المنشود إيصاله، فهو محب للشعر ومخلص له لدرجة الغيرة على حدوده وغضبه على كل من تسول له نفسه أن يتخذه مجالا للوصول لأهداف دنيئة ومقاصد سيئة.. يقول في هذا المجال قاصدا الشعر: صار سهل.. وكل من وده يخمه.. يخمه بعد كانت هيبته هيبة الليث بعرينه ودام كل إنسان يارد.. ويشرب من مجمه يتحمل موقفي ضده.. الله لا يهينه لا يقول انه بحر صعب.. وإني ما أهمه البحر ياما هرب ماه عن وجه السفينه دخنة.. وما أدراك ما دخنة.. تلك المدينة الحالمة التي تحتضنها هضاب (خزاز) الجبال المعروفة التي شكلت مع مدن القصيم لوحة زاهرة بالتقدم والجمال فكان شاعرنا لافي حمود أحد أبناء تلك المدينة التي عُرف عن أهلها نصرة موحد هذه البلاد المغفور له إن شاء الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- فما كان هذا النص إلا تجسيداً للولاء لقادتنا وتعبيرا عن الحب لهذه المدينة وأهلها: من ديرة أهل النقا.. والطيب.. والطاله والمذهب الزين.. والتوحيد.. والعمه شيبانها رمز وقتٍ فات وابطاله وشبابها للعلا في روسهم همه على طرفها خزاز يميل ظلاله قبل يحظ الظلام الشمس في كمه لو مابها غير هاك الضلع وجباله نحبها كلنا حب الولد لامه إن المتمعن للجمال الفني الذي ينبع من نصوص لافي يجد المتعة والنشوة في طريقة السكب والأسلوب البارع والوصف الدقيق التعبير عما يختلج في روح الشاعر الماهر في توظيف اللفظ في سياق شعري أخاذ وعبر نسق غني بالإيحاء والتفرد، فلنبحر سويا مع هذه الأبيات ومفرداتها المنتقاة بعناية: مدري متى أشبع من سوالفك.. وارواك اثر الحكي بعضه خزامى ونعناع عن كل من حولي تاخذني لدنياك واندم على وقتٍ قبل لاعرفك ضاع للصورة الشعرية دور بارز في جذب المتلقي لمناخ النص فهي ركن أساسي لنجاح القصيدة وتميزها ومفتاح لمدن الجمال عبر أبواب النص ونوافذه ومن هنا نستشف أن أخي لافي استطاع أن يوظف الصورة الشعرية ببؤرة حدسه الدقيق عبر مزيج من ألوان الطيف بوعي الشاعر المبدع الذي يمتلك أدواته الفنية بكل دقة واقتدار فليكن للذائقة نصيب من هذه الصورة المتدلية على شفاه الإبداع: الله جمع فيه شمل اثنين.. ثلج وجمر اضداد لكن جمعها الله سوا في مكان والجسم ضامر بحال.. وحال لا ما ضمر ياليل ادانه يالليل ادان يالليل ادان ليا اعتدل عود موزٍ ما جنيله ثمر وليا تثنى يغار ويخجل الخيزران وللشعر تجربة يستفاد منها من خلال خبرات ومواقف مرت بالشاعر من خلال تعامله معها بروية وصبر ورجاحة عقل يستفيد منها المتلقي في حياته ومعايشته للآخرين. يقول عن النميمة ومبادئ الرجولة والسمو بالنفس وترفعها عن سفاسف الأمور: يا مكثرين الهرج لا اسمع ولا اجيب تريحوا من فضلكم واسمحوا لي تريحوا لا تلحقون المشاهيب على الردى ماني شفوق عجولي بالعقل والصبر أدب النفس تاديب والا لها مدة تصول وتجولي خلج ترازم في سياح المحاديب ما فيهن اللي بالعقال معقولي الرجل ما يغصب على الطيب تغصيب اليا صار ما هو دل ضمن الدلولي ومن عادة اللي طيبه يحضر ويغيب لا طالت الرفقة زهوق ملولي وللمشهد السردي في نصوصه قدرة جميلة وتجربة ناضجة فيسرد الحدث بلغته الخاصة التي تجعل لديناميكية القصيدة بعدا آخر. يقول عن هذه الرؤية: أقبل يحرك خطوة الرجل برفوق والقاع لمصافح خطاه يتشوق مخلوق لكنه ما هو بأي مخلوق على بنات آدم وحوا تفوق عليه لبسٍ يجمع الوسع والضوق موسع بعضه وبعضه مضوق مر وتعدى ما بدى منه منطوق إلا أنه بجيش المفاتن مطوق خلاني أمشي وأقضب الدرب واتوق ماني بتايق فكر لكن متوق المطر ومن منا لا يحب المطر.. عذوبة وحبور بجوه المفعم بالطهر والسرور، يحيي القلوب ويعشوشب بالخزامى والشيح وكل ما هو مبهج للنفس سار للنظر فكان للسحاب همس وللمطر ديمة تبلل الروح وتطهر الجروح فأقتطف لكم بعض أبياته من قصيدة طويلة يقول فيها: لعل السحاب اللي من البعد دوبه واق على حد الأرض من السما واقت اعناقه لو تمر بيت البدو مترامي الاشناق تهزه شوي شوي ما ترمي رواقه إلى أن يقول: ولامنه تساوى فوق دارٍ غلاها فاق حدود الغلا.. تستأذن الريح لفراقه يقر ويسر البال.. والعين.. والخفاق ويلجّ رعده.. ويرفرف البرق بأشناقه ومن خلال هذه الومضات لمسنا تقنية إيحائية ودلالات شعرية استخدمها الشاعر لافي بأسلوبه السهل الممتنع للمشهد التصويري الذي كتبه لنا بكل روعة وإتقان من خلال رؤاه الرائعة.. مجبراً القارئ على الغوص بمعطيات النص لذات اللحظة التي أراد شاعرنا أن نستوحي قيمة الجمال منها بنشوتها الإبداعية التي كتبها بكل براعة وإتقان.. وهذا بمجمله يدل على رؤية فلسفية يمتلكها شاعرنا ضمن فضائه الثقافي والاستنباطي الذي يتميز به في قصائده عموماً التي تمثلت بالعودة إلى الانطباعات التي يشعر هو بها ويجسدها بدقة متناهية ويصبها في عالم الحلم والخيال، عالم يجعلنا نلامس ذواتنا بشكل أقرب وبرؤية أرحب. إبراهيم الشتوي