كتاب صغير الحجم أهداه إليَّ مؤلِّفُه د/ نور الدين الخادمي حينما التقيت به في رحاب البلاد المقدَّسة أثناء انعقاد المؤتمر الثاني للأوقاف الذي أقامته جامعة أم القرى بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية. لقد أغراني صغر حجم الكتاب والعناوين الجذَّابة التي تضمَّنها الفهرس، والإشارات الدقيقة التي وردت في مقدمة الكتاب بقراءته وتأمُّل ما ورد فيه من آراء فقهية معروضة بطريقة ميسورة قريبة المأخذ سهلة العبارة، وبرغم أنها قراءة أولى للكتاب إلا أنها قرَّبت من ذهني كثيراً من المعاني المهمة في موضوع المصلحة المرسلة بصفة خاصة، والمصلحتين المعتبرة والمُلغاة بصفة عامة، وشعرت أنَّ طرح هذه المسائل الفقهية بأسلوب ميسور بعيد عن التفريعات والاختلافات مهم في هذه المرحلة التي تتضارب فيها الآراء والفتاوى والتأويلات عبر وسائل الإعلام بصفة عامة، والفضائيات بصفة خاصة. ولعل من أهم ما يميِّز هذا الكتاب الأمثلة الواضحة التي يطرحها المؤلف من حياة الناس العامة، ومن الأمور الدينية الواضحة التي تندرج تحت ما يسمَّى بالمصلحة العامة كمصلحة (حفظ الدين) بإقامة شعائره وتثبيت مناسكه، فهي مصلحة عامة لاتصالها بعموم الأمة وهي مصلحة معتبرة بشهادة الشارع الحكيم في صريح نَقْلِه ونصوصه، وهي مصلحة حقيقية ملموسة وليست مصلحة خيالية وهمية أو ظنية احتمالية ولهذا وجب على كل مسلم مراعاتها وعدم الإخلال بها، ووجب على ولاة المسلمين العمل على رعايتها ومواجهة ونَبْذ وعقاب من يُخِلُّ بها من المسلمين أو غيرهم، وضرب المؤلف مثلاً لذلك بمواجهة ما كتبه الكاتب الهندي (سلمان رشدي) من أقوالٍ تنال من عقائد الإسلام وتستفز مشاعر المسلمين، وهي أقوال تنطلق من رؤية فكرية وسياسية علمانية إلحادية ظالمة، فمواجهة هذا الكاتب وما كتب واجب شرعي للحفاظ على مصلحة عامة معتبرة، ويصدق ذلك على كل كاتب مسلم يشطح في كتاباته مثل هذه الشطحات التي تصدم المصلحة العامة للأمة، وقد تخرج كاتبها من دائرة الدين. وضرب المؤلف مثالاً آخر يتعلق بمفسدة الابتداع والتزيُّد في الدين وقال: إنَّ ذلك يَضُرُّ بالمصلحة العامة الحقيقية المعتبرة من الشرع الحكيم الذي يقرِّر أنه لا يُعبد الله سبحانه وتعالى إلاَّ بما شرع، فلا بد من إزالة التزيُّد والابتداع من خلال وجوب عبادة الله بما شرع وفق أحكام الشرع المضبوطة المحدَّدة، ومن خلال التيسير على الناس والرحمة بهم، لأن الزيادات غير المعتبرة شرعاً في العبادة تشديد على الناس وإلحاق ظاهر للأذى بهم. وهنا تحدَّث عن المصلحة المُلغاة موضِّحاً أنها مصلحة وهميَّة يجب أن تُلغَى لعدم موافقتها لما أراد الشرع، وضرب لها مثلاً بليلة النصف من شعبان التي يعتقد بعض الناس أنها ليلة مخصوصة بالبركة وأنها الليلة المباركة التي أنزل الله فيها القرآن والتي يُفْرَق فيها كل أمر حكيم، وهي بالتالي ليلة يرغب فيها العمل الصالح ومن ثَمَّ اتخذوا هذه الليلة لأداء بعض القربات الموضوعة التي لم تثبت عن رسول الله صلى الله وسلم حيث يُصَلُّون ركعتين بعد صلاة المغرب ويقرؤون سورة (يس) جماعياً بصوت مرتفع ويدعون بدعاءٍ يسمونه دعاء البراءة أو النجاة، وبعد أن يناقش المؤلِّف هذه البدعة بتفاصيلها يقول: وهذه الصورة من الابتداع باطلة مزدوجة لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا رهبانية في الإسلام، كل بدعة ضلالة) ولإنكاره عليه الصلاة والسلام على بعض الصحابة الذين تزيَّدوا في بعض العبادات حرصاً منهم على الأجر، وقال لهم قولاً واضحاً: (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنَّتي فليس مني) وضرب المؤلف أمثلةً متعدِّدةً للمصالح المُلغاة لأنها مخالفة للمصلحة العامة المعتبرة شرعاً. وفصَّل الحديث عن المصالح المرسلة بما لا مجال لسَرْدهِ هنا. كتاب قيم للدكتور نور الدين الخادمي من تونس الذي سبق له التدريسُ الجامعي في بعض جامعات المملكة. إشارة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.