أكد الشيخ أحمد بن عبد العزيز الحمدان مدير مركز الدعوة والإرشاد بمحافظة جدة على أهمية معرفة الدعاة للوسائل الدعوية المؤثرة في المدعوين لتبليغهم الإسلام والمفاهيم الصحيحة، مشيراً إلى أن إتقان الداعية للعملية الاتصالية من مرسل ومستقبل ورسالة ووسيلة يفعِّل دوره في المجتمع، ولكن يجب على الداعية أن يفرق بين الوسائل المشروعة في مخاطبة المدعوين ويستثمرها في دعوته، ويستبعد تلك الوسائل غير المشروعة، ويبتعد عن الشبهات والأمور المختلف فيها. وقال الشيخ الحمدان: إن نظرية (الغاية تبرِّر الوسيلة) لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال؛ فهي نظرية خاطئة تماماً، مطالباً بضرورة أن يلتزم الدعاة بالضوابط الشرعية. جاء ذلك في الدراسة التي أعدَّها الشيخ أحمد الحمدان بعنوان: (الوسائل الدعوية)، وتعرَّض فيها لأنواع الوسائل الدعوية المتاحة، وأركانها، وطرق معرفة هذه الوسائل، وأقسامها، وضوابطها. في البداية تعرَّض الشيخ أحمد الحمدان إلى أهمية الوسائل الدعوية في تبليغ الدعوة، وبدأ بتعريفها اللغوي، وقال: إن المقصود بالوسائل الدعوية هي الأمور الحسية والمعنوية التي يُتوصَّل بها إلى تبليغ الإسلام للمدعوين، ثم حدَّد أركان التوسل، وهي (متوسل)، و(توسل) و(متوسل به)، و(متوسل إليه)، ثم تناول طرق معرفة الوسائل الدعوية، وقال: إنها ثلاثة طرق، هي: أولاًً: النَّص في الكتابِ أو السنَّة، فَحَالَ ورودِ النَّص على كوْنِ أمرٍ معينٍ وسيلةً إلى مقصودٍ شرعي فقد ثَبَتَتْ به أنَّه وسيلةٌ شرعيَّة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلى شَيْءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُم؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ) رواه مسلم، فجعل - صلى الله عليه وسلم - إفشاء السلام وسيلةً مشروعةً إلى شيوع المحبة بين المسلمين. ثانياً: النظر الصحيح، قد يدرك الإنسان من خلاله أن أمراً ما وسيلة إلى بلوغ غاية معينة. ثالثاً: التجربة، وهي اختبار عمل لمعرفة نتائجه وإدراك ثمراته، ومن خلال التجربة تظهر صلاحية الأمر المجرب لأن يكون وسيلةً توصل إلى المقصود أم لا. والوسائل التي تعرف من خلال النظر الصحيح والتجربة يشترط فيها أن تكون منضبطةً بالضوابط الشرعية التي سيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى. ثلاثة أقسام أما أقسام الوسائل الدعوية فهي ثلاثة، هي: أولاً: وسائل دعوية معتبرة شرعاً، وهي الوسائل الدعوية التي ورد نص شرعي خاص باعتبارها؛ كخطبة الجمعة، والتعليم في المساجد، والوعظ. فهذه الوسائل الدعوية باشرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمة من بعده. ثانياً: وسائل دعوية ملغاة شرعاً، وهي الوسائل الدعوية التي ورد نص شرعي خاص بإلغائها؛ كالكذب في الدعوة. ثالثاً: وسائل دعوية مسكوت عنها، وهي الوسائل الدعوية التي لم يرد نص شرعي خاص باعتبارها أو إلغائها، وهي أكثر الوسائل الدعوية التي يستعملها الدعاة. وقد تعدَّدت الوسائل الدعوية في هذا الزمن وكثرت وتنوعت حتى أصبح تصنيفها باباً من أبواب التعرف عليها لكثرتها، وهذا التنوع في الوسائل جعلها محط اهتمام العقلاء، وأصبح التعامل معها انتفاعاً ودفعاً وتحذيراً أمراً لا مناص منه ولا محيد عنه؛ لذا كان لزاماً على الداعية إلى الله تعالى أن يتعرف عليها، وينتفع بما يمكنه الانتفاع به منها، ويدفع ما يمكنه دفعه، وهذا الموقف منه دليل وعي وإدراك وفطنة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (المائدة: 35). والدعاة إلى الله تعالى أولى الناس انتفاعاً بالوسائل الدعوية؛ لكونهم أعلم الناس بضرورة التمشي مع سنن الله تعالى الكونية، حيث جعل الله تعالى الهداية - أعني هداية الدلالة - متوقفةً على تبليغ الدعاة لدينه، والتبليغ لا يكون إلا من خلال الوسائل، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: وفي وقتنا اليوم قد يسَّر الله عز وجل أمر الدعوة أكثر بطرق لم تحصل لمن قبلنا، فأمور الدعوة اليوم متيسرة أكثر من طرق كثيرة، وإقامة الحجة على الناس اليوم ممكنة بطرق متنوعة: عن طريق الإذاعة، وعن طريق التلفزة، وعن طريق الصحافة، من طرق شتى. ا.ه. أمور اجتهادية وقال الشيخ الحمدان: لقد ظهر جدل في هذا الزمن - لما كثرت وسائل الدعوة وتنوعت وتجددت - حول هذه الوسائل، هل هي توقيفية أم اجتهادية؟ وإن كان الجميع يتفق على أنه لا يجوز لمسلم، فضلاً عن الداعية، أن يأخذ حكم الوسيلة من غير الشرع، والجميع يتفق على أن المكلف لا يجوز له مباشرة وسيلة حتى يعرف حكمها الشرعي المأخوذ من النصوص الشرعية الخاصة أو العامة، أو القواعد الشرعية، والجميع يتفق على أن الوسيلة لا بد أن تكون منضبطة بحكم الشرع، فلا يجوز لمسلم الخروج على حكم الشرع في أي أمر من الأمور، والذي يظهر أن جوانب الاتفاق في هذا الباب تقع في الدائرة الأوسع. أما إن كان المراد أنه لا يجوز استعمال وسيلة دعوية إلا إن ورد نص خاص بها فهذا يصح إن كان المقصود بالوسائل التي هي من جنس العبادات، أما الوسائل التي هي من جنس العادات والمعاملات فلا؛ لأن الأخيرة لا تحتاج إلى دليل خاص، بل تكفي فيها الأدلة والقواعد الشرعية العامة. وبهذا يظهر أن الوسائل الدعوية التي ليست من باب العبادات لا حظر فيها، ولا تحتاج إلى نص خاص بها: المخيمات، والمعارض، والدورات العلمية، والمحاضرات، والأشرطة، والإذاعة. والذي عليه كبار علمائنا، ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وسماحة الشيخ محمد العثيمين، أن وسائل الدعوة - بهذا المفهوم - ليست توقيفية. مكبرات الصوت ولما استعملت مكبرات الصوت في المساجد استنكر بعض الناس هذه الوسيلة؛ لكونها ليست مما كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح، فخطب رحمه الله خطبة قال فيها: اعلموا أن الله أمر بتبليغ الدين، ويسَّر كل سبب يوضح الحق ويبين، فكما أن الأسلحة القوية العصرية والعناية بها داخل في قوله تعالى: )وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال: 60)، واستعمال الوقايات والتحصينات عن الأسلحة الفتاكة داخل في قوله تعالى: )خُذُواْ حِذْرَكُمْ) (النساء: 71)، والقدرة على المراكب البحرية والجوية والهوائية داخل في قوله تعالى: ) وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: 97)، وجميع ذلك داخل في الأوامر بأخذ جميع وسائل القوة والجهاد، فكذلك إيصال الأصوات والمقالات النافعة إلى الأمكنة البعيدة من برقيات وتليفونات وغيرها داخل في أمر الله ورسوله بتبليغ الحق إلى الخلق، فإن إيصال الحق والكلام النافع بالوسائل المتنوعة من نعم الله، وترقية الصنائع والمخترعات لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية من الجهاد في سبيل الله. وقال رحمه الله تعالى: الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها، ووسيلة المباح مباحة، ويتفرع عليها أن توابع الأعمال ومكملاتها تابعة لها. ومعنى الوسائل: الطرق التي يُسلك منها إلى الشيء، والأمور التي تتوقف الأحكام عليها من لوازم وشروط، فإذا أمر الله ورسوله بشيء كان أمراً به وبما لا يتم إلا به، وكان أمراً بالإتيان بجميع شروطه الشرعية والعادية والمعنوية والحسية؛ فإن الذي شرع الأحكام عليم حكيم يعلم ما يترتب على ما حكم به على عباده من لوازم وشروط ومتممات؛ فالأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، والنهي عن الشيء نهي عنه وعن كل ما يؤدي إليه. أمور مختلف فيها أما عن الوسائل المختلف فيها فيقول الشيخ أحمد الحمدان: إن هذه الوسائل التي اختلف أهل العلم فيها ينظر في الداعية المتوصل بها إلى دعوته هل هو ممن بلغ رتبةً في العلم يستطيع بها أن يرجع قولاً على قول، مستنداً في ذلك إلى الأدلَّة الشرعيّة والأصول والقواعد الفقهيّة، إن كان كذلك وأدَّاه نظرُه إلى حكم فيها عمل به، إلا إن خشي أن تترتب على حكمه هذا مفسدة فعليه أن يراعيها. وإن لم يكن الداعية قد بلغ هذه الرتبة فليسأل أهل العلم والتقوى الذين يثق بعلمهم ودينهم، لكن على الدَّاعية أن يراعي سبيل أهل الورع والترفع عن الشبهات، فإن كانت هذه الوسيلة - المختلف فيها - يراها مباحةً وهناك من الوسائل غير المختلف فيها ما يمكن أن يؤدي الغرض فليبتعد عن الوسيلة المختلف فيها. نظرية (الغاية تبرر الوسيلة) وتعرض الشيخ الحمدان إلى نظرية (الغاية تبرِّر الوسيلة) وقال: إن معناها أن الغايات إذا كانت حسنة فلا مانع من أن يكون الوصول إليها بأية وسيلة ممكنة وإن كانت وسيلةً لا يقرها شرع ولا خلق حميد، وقد أظهر هذه النظرية ودعا إليها رجل إيطالي اسمه (نقولا ميكافيلي، ت 1527م) في كتاب سمَّاه (الأمير) وضع فيه وصايا للأمير تأمر بالكذب والمراوغة وفعل كل أمر يراه في مصلحة الأمير غير مبالٍ بدين أو خلق، وقد قوبل كتابه بالرفض، وتعالت الصيحات في التشنيع على نظريته، حتى قيل فيها: إنها نظرية تُعبِّد الطريق إلى جهنم، ووُضع الكتاب في قائمة الكتب الممنوعة، وقُرِّر إحراقه، وأقرَّت المجامع النصرانية هذا القرار. ولما جاءت المدنية الغربية الحاضرة أصبح هذا الكتاب أساساً من أسسها، حتى سمَّوْهُ (كتاب السياسة لكل العصور). أما الإسلام فيرفض هذه النظرية؛ لأن المسلم مأمور بالتمسك بالحق ومعاملة غيره به حتى في أصعب الظروف وأحلكها. وأضاف الشيخ الحمدان: إن لهذه النظرية أسبابها، منها: ضعف الوازع الديني، وضعف العلم الشرعي، وعدم اتخاذ العلماء الربانيين قدوة يُقتدى بهم، وغلبة حظوظ النفس، والانقياد وراء أئمة ضلال يؤزونهم إلى الباطل أزاً، إضافة إلى الاستسلام للواقع الذي يعيشونه، وهذا من أسرار ما نراه من كثرة دندنتهم على مسألة فقه الواقع، مع أنه إذا وضع في إطاره الصحيح كان حقاً، ولكن الغلو فيه يؤدي إلى تقديمه على الشرع، كما جعل بعضهم المصالح مقدمة على النصوص الشرعية، فأحل الحرام باسم المصلحة واتباع الهوى والحرص على تحقيق الرغبات الشخصية. ضوابط لا بد منها ويرى الشيخ الحمدان ضرورة وضع ضوابط لاستخدام الوسيلة الدعوية، ومنها: أولاً: ألا تكون وسيلة ملغاةً شرعاً بورود نص شرعي خاص يمنع منها. ثانياً: ألا تكون وسيلة تخالف نصاً عاماً أو قاعدةً شرعية. ثالثاً: أن تكون الوسيلة داخلة في حدود المباح. رابعاً: أن يكون المقصود من الوسيلة مشروعاً، فإن كان ممنوعاً فلا؛ لأن النهي عن المقصد نهي عن جميع الوسائل الموصلة إليه. خامساً: أن تكون الوسيلة مما يوصل إلى المقصود المشروع، إما على سبيل القطع، وإما على سبيل الظن، وإما على سبيل الاحتمال المساوي. أما إن كان الاحتمال ضعيفاً أو منعدماً فلا تكون الوسيلة معتبرةً، كما لو وجدنا مَن يعظ مجنوناً فإنا نعلم أن استعماله لوسيلة الوعظ ضرب من العبث. سادساً: ألا يترتب على الأخذ بتلك الوسيلة مفسدة أكبر من المصلحة المقصودة منها؛ لأن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح. سابعاً: أن يعلق بالوسيلة وصف ممنوع شرعاً؛ كأن يكون فيها مشابهة للكفار أو أهل الخنا والفجور. والنبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الأخذ بوسيلة الضرب بالناقوس والنفخ في البوق وإيقاد النار مع كونها وسائل فاعلة للدعوة إلى الصلاة لا لشيء إلا لكونها شعاراً لليهود والنصارى والمجوس.