عند الحديث عن الخيال علينا أن نفرق بين الخيال والوهم. فكثير من الناس يعتبرهما لفظتين لشيء واحد، وهذا مخالف للصواب. والصواب هو أن الوهم سلبي ويعد عامل هدم لا بناء، والخيال مفيد ويدرج ضمن ركائز الإبداع في شتى المجالات. فالخيال هو الخطوة التي تسبق كل بحث أو عمل علمي أو أدبي. لذا يجب أن ننمي الخيال ونرعاه وخصوصاً عند الأطفال. الخيال عند الأطفال وسيلة تعبير وتنفيس للمشاعر والأحاسيس التي لا يمكن أن يعبر عنها تعبيراً مباشراً، أو يصورها ويوصلها للآخرين كما هي، بل خيالات وما أجمل خيالات الأطفال. وعلى الكبار أن يفسروا ويترجموا خيالات الأطفال حتى يصلوا إلى أعماق هؤلاء الأطفال. ومثال ذلك: اكتشاف مرشد طلابي في إحدى المدارس الابتدائية أن طالباً في مدرسته يعاني من سوء معاملة زوجة أبيه له، وذلك بعد أن درس عدة رسمات له زوده بها معلم التربية الفنية. كان الطفل يرسم مسخاً وبشكل شبه ثابت، وللمسخ فم واسع وأنياب حادة وبجانب هذا المسخ كان يرسم أجساماً صغيرة متفرقة هنا وهناك. هذا عند الأطفال، وأما عند الكبار فالخيال هو الخطوة الأولى من كل ابتكار، ولا أدل على ذلك من قصة الطيران وبداياتها. فقد بدأت عندما نظر الإنسان إلى الطير وتخيل أنه يطير مثله! ومن خيال إلى تطبيق، ومن تطبيق إلى تغير في حياة البشر لا حدود له.. فأصبح الآن يسابق الزمن، ويقطع آلاف الأميال في ساعات قليلة. كل هذا لم يحدث إلا بإذن الله ثم بخيال إيجابي جال في فكر إنسان. جمعني مع بعض الأصدقاء مجلس، وكان الحديث حول سرعة جريان الوقت وأنه من علامات قرب الساعة مصداقاً لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان..) الحديث. وقد ذكرت في هذا المجلس تعليق الشيخ الجليل ابن باز رحمه الله تعالى على هذا الحديث بقوله: (التقارب المذكور في هذا الحديث يفسر بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن والأقاليم وقصر المسافة بينها، بسبب اختراع الطائرات والسيارات والإذاعة وما إلى ذلك). والله أعلم. فقال أحد الحضور: يا ترى هل بقي شيء لم يُخترع؟ فأجبته: نعم، وما أدراك أنه سيأتي يوم تدخل فيه كبسولة أو شيء ما وتضغط زر تنتقل بعدها وفي ثوان معدودة من مكان إلى مكان في هذه الأرض، ولا استبعد حدوث ذلك، لأنه من كان يصدق قبل مائة سنة أو أقل أنه سيكون هناك سيارات وطائرات وصواريخ أو هاتف وفاكس (ناسوخ)، أو إذاعة وتلفاز؟ ألم تقرأ يا عزيزي قوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}؟ لقد كانت كل هذه الاختراعات بفضل الله أولاً ثم فضل خيال خلاق من بشر أعملوا خيالاتهم وسعوا إلى تحقيقها، فحققوها بعد أبحاث وتجارب شاقة ومكلفة، فانتقلت البشرية من حال إلى حال. ومن الطريف أنني كنت أقرأ في أحد المواقع العلمية عن مصطلح علمي اسمه bionics أي بيوني، وهو مشتق من كلميتنbiological وelectronics هو يعني: دمج المكونات الإلكترونية بالمكونات البيولوجية وليس المقام هنا مناسباً لشرح ماهيته والهدف منه، ولكنهم يسعون في الغرب إلى تحقيق ما كان صغارنا وصغارهم يشاهدون في الفيلم الكرتوني الشهير (البيونيون) وكان خيالاً علمياً بحتاً.. فهذا أثار عجبي وإعجابي، فالخيال عندهم له قيمة وليس لهواً فقط!! أنا ومن هذا خلال (جزيرتنا) الغراء أقولها وبقوة: أطلق العنان لخيالك فقد تصبح يوماً من ذوي الاختراعات والابتكارات، وما دامت الحاجة أم الاختراع فلِمَ لا نجعل الخيال أباه؟ [email protected]