(1) الخيال العلمي امتداد طويل لجميع الاختراعات التي اختزلت ذهنية العلماء، حتى أنجزوا الفكرة كبداية للنهوض بها تطبيقا وعملا، واستخدام السرد القصصي ينفع كثيرا في لملمة الأفكار المشتتة وتجميعها في قالب افتراضي يتيح للخيال العلمي مزيدا من التحليق وربما الجنون وتجعل من الفكرة أكثر حيوية وأقل تعقيدا لأن الاختراع والابتكارات المقترحة ستكون ذات إطار عملي متحرك وغير ثابت، وهنا تسهل عملية التحقيق في مستوى الفكرة وصلاحياتها وشروط تطبيقها، ومن خلال القصة العلمية بإلإمكان تحويل هذا الاختراع الصوري إلى بحث علمي محكم ويمكن تناوله مع مجموعة باحثين لديهم توجهات خاصة في الفكرة وهذا التجاذب يصبغ الفكرة بالجدية و يجعلنا أكثر رهانا على تنفيذها وبلورتها بأسلوب دقيق و فاحص. (2) لا يمكن أن نتصور اختراعا أو اكتشافا أو نظرية علمية إلا والقصة بوابة العبور لكل علم جديد / فالأفكار المتباعدة حينما نصبها في قالب قصصي متخيل بالضرورة سنلبسا أشخاصا وسنراقب مستوى تعايش الفكرة مع الابتكارات أيا كانت مؤهلاتها وهذا التقصي الجاد يطور المزيد من الابتكارات / و هو أيضا يخدم جوانب تسويق الفكرة والمبادرة في تحويلها إلى منتج ومنحنى التواصل مع الفكرة المقصوصة أدعى للفهم قبل كتابة بحث تفصيلي لأداء الفكرة وتبيان خط إنتاجها، كما أن لفريق البحث الذي سيشرف على الفكرة، يمكنه التنبؤ بفعالية الأفكار قبل حدوثها. (3) ربما يصعب علينا التعاطي مع نظرية أرخميدس كمثال ولكن بسهولة متناهية أن نتداول قصة النظرية وهي الشرارة الأولى لفهم أعمق قانون «طفو الأجسام داخل الماء»، ذلك لما أوعز ملك سيراكوس لأرخميدس أن يتأكد من تاجه الذهبي على أنه غير مغشوش بالفضة، وذات مرة كان يغتسل في الحمام حيث لاحظ أن منسوب الماء ارتفع عندما انغمس في الماء، ولما تحقق أن وزنه أقل وزنا وهو في الماء، وأن الانخفاض في وزنه يساوي الماء المزاح، كما تحقق أن حجم الماء المزاح يساوي حجم الجسم المغمور، وبذلك خلص الملك من شكوكه حينما غمر التاج وأخذ الماء المزاح ليعادل وزنه بوزن ذهب خالص يساويه في الوزن. والقصة سواء كانت واقعية بحتة أو متخيلة فإن الواقعي لابد أن يقتحمه الخيال ولن نتمكن من بلورة الواقعي إلا بالخيال لأنه أقدر على استباق الحدث والأكمل في التصورات وتبرير ما لا يمكن، وجعل كل الفروض قابلة للاختبار العلمي الدقيق، وكل فرض يدخلنا في فروض أخرى، وهنا تكمن أهمية السرد القصصي في إزاحته لكل معوقات تطبيق الفكرة على أرض الواقع وإمكانية تطبيقها مجازا، والواقع ابن المجازات فيما يخص الابتكارات وجميع النظريات العلمية قديمها و حديثها!. (4) من لا يملك ثقافة الاختراع، لن يتمكن من التمرحل مع الفكرة، وإن حاول فستواجهه صعوبات كثيرة حتى يصل إلى تصور أولي لاختراع ما، والغموض الذي يحاوط كل فكرة جديدة هو أمر شاق فهمه أو تفسير دلالاته، فكل غامض يستعصي على الفكر، وحين نترك الأفكار المتوالية سجينة الأسئلة ستكون المهمة مؤودة، فالسؤال أداة شارحة لغموض الفكرة، وهنا تأتي قيمة السؤال العلمي، فإن تم إنجاز أسئلة واضحة حول فكرة غامضة سوف تنفك العقد قليلا، وحتى تمرير الفكرة الغامضة في نص سردي سيكون صادما، ولن يعطى تقديرا لحقيقته، وكم من فكرة قالت لصاحبها دعني، فهروب الفكرة سريع ولكن تتهريبها وسرقتها أسرع، ولذلك توافر بيئات حاضنة للأفكار وجدية التواصل مع أصدقاء الفكرة المبدعة هو حل أنفع لتحويل المجتمعات المدنية إلى بيئات تفكر بإبداع!. (5) لدى الصغار أفكار غريبة؛ كيف نستثمرها ؟؟! يلاحظ أن الطفل في مراحله العمرية الأولى ذو خيال واسع، وذلك يتبين من خلال رسوماته، و أسئلته الكثيرة، وحتى في طريقة تفاعله مع الرسوم الكارتونية التي يقترب منها بخياله، فهو إلى جانب المتعة البصرية يحقق متعة خيالية تجعله يشخصن نفسه وكأنه أحد أفراد العمل الكارتوني سيما إذا المسلسل مثيرا ومغامرا، فهو يصدم ذاكرة الطفل ونفسيته وروحه ليس لأنه شيء غريب ولا يشاهده في الواقع فحسب بل لأن هذه المشاهد المشاغبة إذا صح التعبير ذات طابع حركي سريع، ولذلك نجده مشدوها طوال فترة عرض المسلسل الكارتوني، وما أريده أن الأفكار الغريبة لدى الطفل سريعة وقد تمر بسرعة، لذلك يجب استثمار عقلية الطفل المختلف بالتحديد ورعايته في المدرسة كميدان يستقطب الصغار وحتى في رياض الأطفال بإمكاننا أن نكتشف الأفكار المبدعة لديهم من خلال ترقية الذاكرة القصصية واستخدام القصة كأداة حرة في صقل إبداع الصغار، ولدى الكبار شيء من هذا التعاطي مع أفلام الخيال العلمي، والتداخل الإبداعي لا ننكره بشكل أو بآخر. (6) يقال: الإبداع لحظة ..! وهذه إضاءة جادة في مسألة التحصيل الإبداعي، ومتابعة الحراك الجديد لعلم الموهبة وتمايز القدرات الفكرية لدى المبدعين، مع ملاحظة أن الإبداع لا يقتصر على العقلاء فقط، بل حتى المجانين أو ذوي العاهات المستديمة بإمكانهم الإبداع والاختراع، فالفكرة نواة العمل الإبداعي، والتباين بين نفوس المبدعين وعقالياتهم ومستويات أطروحاتهم يحتاج إلى مراكز بحث قادرة على الاستمرار مع الفكرة، والأخذ بزمام المبادرة في الارتقاء بها، بدلا من التخاذل والانزواء خلف نظريات منجزة من علماء سابقين، فالحاجة إلى تجريب الأفكار واختبارها لا يتأتى إلا بالاجتهاد في اختبارات الإبداع وتحديد سماته أولا بأول، ومواكبة المتغيرات في حرية الأفكار، وطريقة استثمارها بما يتلاءم مع العلوم الحديثة التي تتماهى مع اتجاه الزمن، والمستقبل هو الرهان الوحيد لكل فكرة متداولة أو غير متداولة!. (7) كانت الخرافة واللاوعي مركزا لاستقطاب الأفكار المجنونة وغير العقلانية، وهذا ما يمكن أن نسميه بمفاجأة الإبداع، فابن فرناس كان مجنون زمانه ليس لمحاولته تنفيذ فكرة الطيران، بل مجرد التفكير فيها لأن الفكرة تخالف السائد، والإبداع غير مألوف بطبعه، لذلك كثيرا ما نسمع أن المبدعين أطوارهم غريبة وانطوائيين بسبب تصوراتهم الغامضة والنكرة إلى حد ما ... فالعلم عدو الأساطير، فالأسطورة تخاف العلم لأنها تخالفه وتقوض مسلماته، وبالتالي فالصدام مباشرا وحتميا بين ما هو علمي وما هو أسطوري لأن العلم ينبني على قواعد متينة ثابتة بينما الأسطورة فالقاعدة أن لا ينبني على قاعدة، ومهما يحتدم الصراع بينهما إلا أن الفكرة الغريبة إما تتحول إلى حقيقة علمية أو أسطورة تتمشى مع الخيالات بوهج حارق حتى يثبت صحة الادعاء العلمي، والخيال بشتى صنوفه يفتح أبوابه على مصراعيها للتجريب والممارسة والافتراضات الممكنة واللاممكنة وبالتالي جميع هذه الإحالات تتدرع بالسرد القصصي للوثوب إلى عالم الحقيقة والإنجاز العلمي الذي يراد له أن يكون مبهرا وغير مسبوق. كاتب وشاعر سعودي [email protected]