طريق الحق والخير واضح وظاهر، وبالطبع فإن طريق الشر والباطل أكثر وضوحاً وشفافية وظهوراً.. الطريق الأول يقود إلى الأمن والسلام والاستقرار والازدهار، والطريق الثاني يقود إلى نقائضها، أي إلى مهالك العنف والصراع والضياع والتخلف. ومع هذا ورغماً عنه لا يتورع بعض من البشر عن سلوك مسالك الشر والباطل من أجل حفنة من المال، أو من أجل إرضاء غرائز الحقد والانتقام، أو من أجل تحقيق أهداف ومصالح ذاتية أياً كانت مرجعياتها السببية. بل قد لا يتورع بعض من أشباه البشر في التستر وراء الدين أو العقيدة أو المبدأ من أجل إشباع مصلحة أو غريزة، أو للحصول على منفعة، ولهذا تستر من تستر وراء المذهب أو الطائفة أو الدين من أجل قتل الأبرياء وتدمير الممتلكات ونشر الفوضى وتعميم الفساد في لبنان، ومن أجل منطق الباطل هذا ضاعت بعض من أموال المسلمين وصدقاتهم عن غاياتها، فعوضاً عن أن تصل إلى فقراء المسلمين، ذهبت إلى جماعات وتنظيمات العنف والإرهاب ليخسر الضعفاء وأهل الحاجة من المسلمين حقاً من حقوقهم المشروعة. وقد يقول قائل منهم: إن الغاية تبرر الوسيلة سواء كان قولهم مرتجعا بالمنطق المكيكافيللي الغربي أو مستندا إلى المنطق الميكيافيللي العربي أو الإسلامي المعمول به من قبل الفئة الباغية من أهل الضلال والباطل، كما وقد يقول قائل آخر منهم: إن العنف وسرقة أموال المسلمين أو تدميرها حق من حقوق الدفاع عن النفس ضد الأعداء والمتآمرين بيد أن الحق حق لا يمكن إبطاله لا بمنطق الباطل والبغي، ولا بأساليب الشر والعدوان.. بل إن المنطق الأخير لا يمكن تبريره بأي منطق كان دعك ممن يحاول تبريره بمنطق الحق والخير. صحيح أن حق الدفاع عن النفس حق مشروع للإنسان.. أياً كان وأينما كان، بيد أن الحقيقة الأصح تؤكد أن الدفاع عن النفس يجب ان يوجه ضد المعتدين أو المحتلين من القوى الخارجية التي تهدد الأمة أو الوطن. أما الإرهابيون فهم أول من هاجم الامة العربية والإسلامية، وأول من هدد أمن واستقرار الوطن والمواطن من عمق الداخل. إن أهل الباطل والشر هم أول من أعلن الحرب على العرب والمسلمين وعلى الوطن والمواطنين بعد أن نفذوا جرائمهم الإرهابية البشعة منذ منتصف الثمانينيات في بعض الدول العربية دون أدنى رحمة أو شفقة بأرواح عباد الله الآمنين في أوطانهم. صحيح أن هؤلاء يعدون امتداداً تاريخياً لخروج الخوارج على السلطان والمسلمين منذ عهد الفتنة الكبرى وحتى اليوم، بيد أن العصر الحديث وواقع الأمة العربية والاسلامية لم يعودا يسمحان أو يحتملان استمرار خروج الخوارج على الأمن والاستقرار. فالخروج على أمن وسلام واستقرار الامة نتيجة لضلال الفكر وضلال العمل (أو السلوك) للفئة الضالة الخارجة على الاسلام والمسلمين لابد وأن يقوم ويواجه ويصفى بقوة الشرع والقانون أي بقوة الحق والعدل، ولذلك فإن إعلان الحرب على الباطل والشر لا يقل أهمية عن إعلان الحرب على الإرهاب المحلي والإرهاب العالمي، بل وأصبح واجبا حتميا على الجميع لما يمثله الإرهاب من خطر ماحق على الامة. لذا لابد من مواجهته ومقارعته بقوة الحديد والنار في ذات الوقت الذي لا مناص من مواجهته بقوة الحق والمنطق والعدل لأن الإسلام كان ومازال وسيبقى قبل كل شيء دين السماحة والحق والعدل والسلام. إن دعوة الإسلام للبشرية دعوة إنسانية خالدة تؤكد على ضرورة نبذ العنف في ذات الوقت الذي تؤكد فيه على ضرورة نشر منطق السلام والأمن والاستقرار في الأرض وبين جميع شعوب العالم من خلال توخي الوسطية في الفكر والسلوك.. وهي مبادىء إنسانية مشتركة ومقبولة ومعترف بها من قبل جميع دول وشعوب العالم. لهذا تحديداً فإن مواجهة الإرهاب تتطلب مواجهة التطرف ومحاربته بالعلم النافع المفيد وبالوعي العلمي والتعليمي المعتدل الصحيح الذي لا يتأتى تحقيقه إلا بتنمية وتطوير المجتمع كل المجتمع بكافة فئاته بضرورة نبذ العنف وتخطي مشاعر الحقد والكره التي تولد العنف وتجهض أجواء السلم.. المطلوب اذا مواصلة التمنطق بمنطق الحوار البناء لبناء أمة عربية وإسلامية مستقيمة في ربوع مجتمع آمن ومطمئن. العلم يقول ما قاله الشرع مسبقاً وخصوصاً علم النفس عامة وعلم الجريمة خاصة، بل إن الطب النفسي أيضاً يؤكد ما أكده الشرع منذ قديم الزمن، بأن الله عز وجل خلق الإنسان علمه البيان والحكمة، وحثه على طلب العلم من المهد إلى اللحد كي يعيش في الأرض ويعمرها لا ليخربها ويدمرها ويسفك دماء ساكنيها. إن أفعال الإرهابيين الخارجين على الدين والدولة والمجتمع خروج عن الفطرة الإنسانية وتمرد على طبيعة البشر، ومروق عن العقلانية الإنسانية التي خلقها الله في خلقه كي تمكن الإنسان من التمييز بين الخير والشر بين الحق والباطل، بين الصالح والطالح، بين الغث والمفيد.