ضجت النساء من كثرة الحديث عن (حقوق الزوج)، وتساءلن: أليس للزوجة حقوق؟ ولماذا كل حديثكم عن حقوق الزوج؟ وأين حقوق الزوجة ؟ لماذا تعفون القائد من وصاياكم إلا لماماً؟ أو ليس على الأزواج واجبات ومسؤوليات؟ أولستم تعترفون أن أكثر المشكلات الاجتماعية بسبب الأولياء وأن الأسرة الصالحة المتحابة يمدح بذلك وليها؟ هل كل الأزواج في مستوى من الدين والعقل يجعلهم ينصاعون للحق ويلزمون أنفسهم به؟ المرأة لا تريد مناظرات كلامية أو محاكمات قضائية حول علاقتها بزوجها وإنما تريد بعد قبولها به أن تحافظ عليه غاية وسعها. لذلك أرجو أن يسمح لي أخي الرجل الكريم بهذا الحديث {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}، وآمل أن يتلقى ما أقوله هنا باعتباره حديث رجل عن حقوق الزوجة، باعتباره نصيحة مسلم لأخيه المسلم. أقول بداية: إن أختنا المتزوجة حين قبلت من تقدم إليها لم تكن تريده زوجاً مؤقتاً يكشف سترها ثم يرميها مطلقة في بيت أهلها، وليست مستعدة أن تخسره لأدنى سبب، ولم ترد بالعيش معه ضربها وامتهانها والبصق في وجهها وشتمها ولعنة والديها، ولم ترد امتحان حلمه وصبره حتى تفاجئه بما يحتمل وما لا يحتمل من المواقف أو الكلام أو الصمت أحياناً، ولم تكن تريد الدخول معه في مسابقة تحقيق الكرامة وإظهار أيهما أعز وأكرم؟ ولم تكن تريد أن ترهقه بتحقيق أحلامها الوهمية بوصفه (فتى الأحلام)، ولم ترد أن تغلق عليه دنياه بأقفالها كما يصف بعض الزواج (بالقفص الذهبي)، ولم ترد أن يكون العسل شهراً واحداً وبعده المر، لكنها باختصار لم ترد أي مراد يفضي إلى الفراق أبداً أبداً. فأكره شيء عند المرأة الطلاق إلا إن كانت في وضع أبأس منه. وإنما أرادت حين قبلت ذلك الرجل زوجاً لها أن يأخذ بيدها ليحفظها قدر استطاعته وهي على أتم الاستعداد أن تحافظ عليه بأقصى استطاعتها مهما حصل منه إلا ما لا يمكن الصبر عليه وأجرها على الله. ومحافظتها عليه بأقصى استطاعتها تعني أشياء كثيرة جداً ومهمة جداً، بعضها تفعله بمحبة وبعضها تفعله برضا وبعضها تفعله وهي كارهة. وليست تعني إثقاله بالطلبات والملاحظات ولكنها تعني بكلمة جامعة (حسن التبعل له)، وهذا لا يتعارض أبداً مع كرامة المرأة وعظم حقها لأنها تقدمه عن طيب نفس وتمام عقل وإدراك لأحب الناس إليها وأقربهم منها وأنفعهم لها. ولا يقف (حسن تبعل المرأة لزوجها) عند كونه لا يعارض كرامتها فقط بل إنه يحقق لها سعادة الدارين الدنيا والآخرة وذلك ما تريده كل امرأة وتحلم به وتتمناه. وكل مفاتيحه بيديها.. أما سعادة الدنيا فإنها بحسن التبعل غاية وسعها تملك قلب زوجها ملكاً حتى لا يستطيع فراقها ولو فارقها قسراً في سفر له أو مرض لها لأحس بفراغ روحي وظمأ وجداني لا يملؤه ولا يرويه إلا وجودها أمامه وبين يديه وإلى جنبه، فقد استطاعت هذه الزوجة المسلمة أن تبلغ درجة {لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} فأصبحت هي سكناً له واستطاعت أن تجعله يشعر بذلك أبداً فليس يجد سكنه في الغرف الفخمة ولا البرامج المسلية وإنما يجد سكنه فيها هي وفي قربها لأنها تسعده ولا تزعجه وتفرحه ولا تحزنه وأول المستفيدين من ذلك (الزوجان) هي وهو. وهل تظن زوجاً وجد مثل هذه يستطيع أن يقابل إحسانها العظيم بالإساءة؟ أم هل تراه مستعداً للتخلي عنها لنقص في جمالها أو لمشكلة عندها أم هل تراه يقدر على ذلك؟ أنا أجزم جزماً أن كل رجل يتمنى مثل هذه المرأة.. لكن أين هي؟ وليعلم الرجل أن الناس في العشرة طرفان مذمومان. فمنهم من لا تعرف الرحمة والعطف إلى قلبه سبيلاً. ومنهم من يفرط في التساهل والتسامح حتى ينفلت زمام الأمور من يده، والحق وسط بين الغالي فيه والجافي عنه. من حقوق الزوجة حق المبيت والمعاشرة: وهذا حق يجب على الزوج أن يقوم به، ويراعيه حتى لا يضطر حليلته إلى الخروج عن حيائها. وهذا الحق من الحقوق التي يقع الخلل في أدائها من قبل بعض الأزواج، فتراه في دنياه لاهثاً أو يدمن السهرات مع الأصحاب والخلان ولا يؤوب إلا في ساعة متأخرة من الليل، قد أرهقه التعب وأضناه اللعب، واستنفد ما في جعبته من المرح واللهو مع مسامريه، فيدخل بلا سلام ولا كلام، ويرتمي على فراشه كالجيفة، ولو قدر له أن يقضي وطره منها، قضاه على وجه لا تشعر معه المرأة بسعادة، وكأنها ما بقيت في البيت إلا للكنس والطبخ. نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الهجران باعتباره مقدمة للانفصام وانقطاع العلاقات إلا بمانع كالمرض والهرم فعليها أن تقدر ذلك. ومن حقوق الزوجة أن تأخذ ما يكفيها لحفظ حياتها وولدها: أخرج الشيخان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهند بنت عتبة عندما جاءت تشكو شح أبي سفيان عليها وعلى ولدها، قال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). ويلزمها ألا تخرج شيئاً من بيته لأهلها أو جيرانها أو على سبيل الصدقة إلا بإذنه. ومن حقوق الزوجة المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق: قال الله تعالى مبيناً هذا الحق: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} «19» سورة النساء. وقال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله). ولأجل إنفاذ هذا الحق فإننا نطالب الزوج بالتزام المنهج الشرعي في معاشرة الزوجة بالمعروف، ومعاملتها بالحسنى امتثالاً لقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} «229» سورة البقرة. فهي بحاجة إلى قلب يعطف عليها ورجل يداعبها ويحن إليها، ويروي عاطفتها، ويشبع غريزتها. وإذا كان الرجل ينهى عن الانهماك في العبادة لأجل إتمام هذا الحق لزوجته فكيف بإهدار الوقت وإضاعته في السهرات العابثة والليالي اللاهية؟ جاء سلمان الفارسي لأبي الدرداء يزوره، وقد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أم الدرداء مبتذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا، يقوم الليل، ويصوم النهار!! فجاء أبو الدرداء، فرحب به، وقرب إليه طعاماً فقال له سلمان: كل. قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرن، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان. وقال: إن لجسدك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، صم وافطر، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه. فلما كان وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت، فقاما، فتوضآ ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان). والخدمة وتربية الأطفال، فهي في نظره واقعة معها فإن قامت بها فهي حباً وكرامة وتفضلاً لا فرضاً واجباً، وإذا كانت مخدومة في بيت أهلها لزمه أن يوفر لها من تقوم بخدمتها وخدمة ولده؛ أو يقوم هو بها وهي تساعده. ومن حقوق الزوجة تعليمها أمور دينها: أهم من النفقة والمبيت أن يعلمها الزوج أمور دينها وبخاصة إذا كانت المرأة لم تأخذ من التعليم الشرعي ما يكفيها في أمور دينها ودنياها، وعلى الزوج أن يتخذ من الوسائل الشرعية ما يكمل به هذا الجانب، والرسول صلى الله عليه وسلم، كان يعلم نساءه أمور دينهن، وزوج رجلاً من الصحابة امرأة على ما معه من القرآن. وهذا الأمر تساهل فيه كثير من الأزواج فالله المستعان. ومن حقوق الزوجة الغيرة عليها: قال صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه والله أغير مني)، من أبرز حقوق الزوجة وواجبات الزوج أن يصون كرامتها ويحفظ عرضها، ويغار عليها. ومن المؤسف أن بعض حيوانات الغابة أكثر غيرة على زوجاتهن من بعض الرجال، فتراه يطلق العنان لزوجته تذهب للأسواق وحدها، وقد تركب مع السائق وحده، وإذا كان الحمو هو الموت كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيره. [email protected]