بين المجالات (التوظيفية) التي يعجز فيها (العرض) عن امتصاص (الطلب) مجال الاستخدام في المشروعات الإنمائية ما ينتهي إليها أو تفرَّع عنها، فالمتعارف عليه أن مشروعات ضخمة متشعبة كهذه، تحتاج - وبإلحاح - إلى توافر وتوظيف مختلف الكفاءات الإدارية والفنية، على جميع المستويات، وبأعداد كافية. ** من هنا، جاء اهتمام الدول النامية - على وجه الخصوص - ببرامج (التدريب): كعامل مساعد - غاية في الأهمية - لتوفير ما يحتاج إليه من إداريين وفنيين لمختلف القطاعات الإنمائية، التي يقام على رعايتها. على أن الحاجة الملحة، إلى المديرية والخبراء والأيدي العاملة المدربة، نابعة من حقيقتين: * الأولى: الدور الإنمائي (ربما الضخم) الذي تقوم به الدولة - أية دولة في زيادة، أو تحسين، أو دعم، أو تنويع مصادر الدخل الوطني.. فيها. * الثانية : طبيعة الحقل المراد تصنيعه أو إنماؤه: (المرعى)، لا سيما إذا ما دأب (هذا الحقل) على الاستيلاء دائماً على الأعداد الكبيرة من المهارات العلمية والعملية المدرَّبة إلى جانب (جل!) ما تخرِّجه معاهد التكنولوجيا وعلم الإدارة من كفاءات. ذلك ما دفع المملكة العربية السعودية - كدولة نامية، إلى (اقتناص) كل الفرص السانحة لتدريب مختلف الفئات (الفاعلة) في جل الحقول العملية (والنظرية أيضاً)، تارة عن طريق المعاهد الوطنية، وأخرى بالابتعاث إلى المعاهد والكليات المتخصصة في الخارج، وتارة ثالثة بإيجاد (بند إلزامي) في اتفاقيات (معينة) مع جهات أجنبية (معينة).. يقضي بأن تقوم تلك الجهات المتفق معها - التي غالباً ما يكون مجال عملها الأراضي السعودية - باتخاذ جميع الاجراءات الكفيلة بتطوير الكفاءات الوطنية في (مجالات مخصوصة)، وتدريبها حتى تصبح - خلال فترة مناسبة - قادرة على تسلم مهام مختلف الأعمال الإدارية والفنية في تلك ال(مجالات المخصوصة). ومع أن لا جدل في (ماهية مرمى) التدريب - في (1) الداخل، أو (2) الخارج - إذ يعني - ما أمكن - تطبيق مبدأ (تطوير الكفاءات من أجل الوصول إلى مستوى في العمل الإداري، والتقني، يساير التطور الحديث للنظم الانمائية (الفعالة) في عالم اليوم).. مع كل ذلك أراني - ومن زاوية نظر (كلفية) - ألمس ضرورة التفريق بين التدريب: في (الداخل)، أو في (الخارج). على أني أُفضِّل الأول (في الداخل) لا سيما في المواضيع ذات الصبغة (التوجيهية) على الصعيد التطبيقي.. وهنا يعترض سؤال: لماذا هذا التفضيل، وفي هذه المواضيع بالذات؟. الجواب: ذلك ما سيكون موضوع حديثنا لهذا النهار! مدخل لكن! وقبل كل شيء ما هو التدريب - الذي نعنيه في حديثنا هذا المقتضب؟ يصطلح كثيراً على أن (التدريب) هو: رفع فاعلية القدرة الإنجازية لدى (معين)، عن سبيل إتاحة كل الفرص للتعرُّف على دقائق موضوع (معين) مؤدياً ذلك إلى تحسين الإنتاج (كماً وكيفاً) بالنسبة لذلك (المعنى)، منسحباً ذلك - أين تنفيذ تلك (الإتاحية) على (المكان) بقدر انسحابها على (الزمان) بمعنى أن التدريب حالتان: * الحالة (أ): ابتعاث القدرات المراد تدريبها إلى خارج المملكة.. في صعيدين: 1 - فنيات متوسطة ومتقدمة (هذه لا جدل فيها). 2 - غير فنيات متقدمة (وهي ما تعنينا). * الحالة (ب): تدريب القدرات (محلياً) عن طريقين: 1 - إنشاء (الإمكانات) الثابتة أو المتنقلة لذلك. 2 - جلب (الإمكانات) من (الخارج) لأسباب جد (كلفية)، ولأن ليس من الضروري أن يتم التدريب في الخارج. أمثلة عليه! فإن أفضلية الحالة (ب) تتضح في التالي: لنفرض أن (فلاناً) من الناس، موظف راتبه 1500 ريال، ويحتاج إلى دورة في الإدارة المتقدمة.. فكيف تسد هذه الحاجة بالنسبة إلي: * الحالة (أ) ابتعاث إلى الولاياتالمتحدة بالذات بسبب تقدمها في مجال الإدارة ولننتخب مدينة (نيويورك) مكانا للتدرب ولتكن الدراسة وفق نظام (التيرمز) المعمول به هناك وهو غالباً 9 أشهر ميلادية - لا يهم! وإذا حسبنا (كلفة) هذا الابتعاث لمدة (تيرم) واحد فإنها تتجاوز ال(29.250) ريالاً للواحد، على هذا النحو: 1 - 6.750 ريالا، مجمل رواتب المبتعث - النظامية - شهرية بواقع 50% من الراتب الأصلي - كما جرت العادة في حالة ابتعاث موظف إلى (الخارج) للتدريب مضاعفة هذه النسبة 9 مرات بعدد شهور الابتعاث. 2 - 9.000 ريال - تذاكر سفر - ذهاباً وإياباً ولمرة واحدة. 3 - 10.800 ريال مكافأة متدرب شهرية (مضاعفة 9 مرات). 4 - 1.800 ريال بدل ملابس (صيف - شتوية). 5 - 0.900 ريال بدل كتب (مرة واحدة). 6 - 10.000 ريال مصاريف دراسة. ليكون المجموع (أعلاه) تقريباً(!!). * ميزات هذه الحالة: 1 - توفير 50% من راتب المبتعث. 2 - إتاحة الفرصة للمبتعث بحيث يطلع على مجالات تطبيقية، متقدمة عن كثب ونفسية جديدة. 3 - تجديد زوايا تقويم الأمور الخاصة والعامة. 4 - الاطلاع على حضارات جديدة. 5 - العزم على إخضاع الواقع للخطة لدى التطبيق.. في جل الاختصاص الأمر الذي قد يولد صعوبات أو يشل القدرة على الاستفادة من (التدريب) عند مجابهة الواقع غير المتطور ربما في البيئة موضع التطبيق. 6 - احتمال وضوح عدم كفاية (هذه البعثة)، والحاجة إلى (تالية) ومن وجهة نظر اقتصادية فإن (الكلفة) تزيد طردياً بزيادة عدد المبتعثين. * الحالة (ب): تدريب في الداخل، عن سبيل جلب (المدرسين) وهذا يكلف أكثر من 40.575 ريالاً، على حساب أن (المدرس) الواحد يتقاضى (كلفة) مقطوعة ومعقولة أيضاً هي 26.400 ريالا، وأخذاً في الاعتبار أن المدة (للترم) وهو واحد هي 90 يوماً فقط. 1 - 4.500 ريال راتب كامل (100%) للمتدرب في الداخل. 2 - 0.000 لا بدل تذاكر. 3 - 3.375 ريالاً مكافأة متدرب بواقع 75% من الراتب الأساسي كالمعتاد. 4 - 0.000 لا بدل ملابس. 5 - 0.900 ريال بدل كتب. 6 - 5.400 ريال بدل - سكن - في أحد الفنادق (درجة أولى) ليكون المجموع (أعلاه) تقريباً. * ميزات هذه الحالة: 1 - لا توفير رواتب. 2 - صرف (المتدرب) إلى (مادة التدريب) لطبيعة الوسط. 3 - التوفيق - ما أمكن - بين الواقع وما يتلقاه المتدرب. 4 - قد تكون هذه (الدورة) مقنعة للمتدرب على الأقل.. إذ سيكون أكثر تفاعلاً مع معامليه لدى التطبيق كذلك، فإن الكلفة تهبط نسبياً بزيادة عدد المبتعثين. مثال أيضاً! قد لا تكون الفقرة (أمثلة) على نحو من المقارنة في (متضاداتها) بحيث تعكس كما أسلفت أفضلية الحالة (ب) من وجهة نظر (كلفية). دعونا نجرِّب بهذا المثال: لنفرض أن المراد تدريبهم (10) أشخاص، إذن تكون كلفتهم في الخارج. * الحالة (أ): 392.550 ريالاً (39.250 في 30 مبتعثين). * الحالة (ب): 194.550 ريالا (141.750 في 10 متدربين + 26.400 في مدرسين اثنين + الموضح). وباستبانة الفرق بين (التكلفة) في الحالتين يكون الوفر في الحالة (ب) بما يعادل (197.950) ريالاً تقريباً. تلك ناحية، على أن الواقع يميل إلى ترجيح التدريب (في الخارج) وذلك بشرطين: 1 - توافر إمكانية تجديد المعلومات تباعاً من وقت لآخر. 2 - اختيار النوعية المتدربة بحيث تكون أكثر جدية في مجال تقويم الأمور. طبعاً هذا لا يعني استحالة ذلك في الداخل، بقدر ما يعني الحرص في اختيار (النوعية الأجود - وسطياً) في مجالات تدريبية (معينة). خلاصة! يتفق الكثير على إيجابية التدريب في الداخل لا سيما في الحالات غير الفنية. وقد لا يكون ما سلف من حديث على درجة من الوضوح كما سيكون عندما أتطرق لبعض نواحيه في حديث قادم يدور حول (العملية الإدارية.. واتخاذ القرارات) كل ذلك في إطار مستلزمات نهضتنا السعودية المعاصرة!! س. البادي