منذ أن نشرت جريدة (الديلي ميل) البريطانية المعلومات التي اطلعت عليها من خلال اطلاعها على خطاب مرسل بالبريد الإلكتروني من جندي بريطاني لأهله قال فيه: لم نحقّق أي تأثير يُذكر على حركة طالبان هنا في أفغانستان، وأشار إلى أنهم يعيشون أزمة حقيقية، وحياة مقلقة للغاية، وقال: إننا نحن الجنود البريطانيين نتعرض لهجمات متواصلة دون توقف في شمال هيلماند، وهي هجمات مركزة قوية، وأشار الجندي البريطاني في رسالته إلى أن الجيش والشرطة التابعين للحكومة الأفغانية يسرّبون معلومات لطالبان عن القوات البريطانية وغيرها من القوات الدولية، فهم جميعاً يعملون ضدّ الوجود العسكري الأجنبي في أفغانستان - ولا سيما بريطانيا -. منذ أن انتشر هذا الخطاب عبر الجريدة في بريطانيا وأزمة الخلاف البريطاني تشتد حول جدوى الوجود البريطاني في أفغانستان، وهو خلاف يبرز عبر وسائل الإعلام البريطانية المختلفة، ويظهر في بعض المناقشات الحادة في مجلس العموم البريطاني. إن خطاب الجندي البريطاني المشار إليه سابقاً هو تقرير غير مقصود عن حقيقة أوضاع الوجود الأجنبي في أرض أفغانستان، وهو تقرير مهم مأخوذ بالاعتبار لأنه صدر من جندي يعيش المشكلة من داخلها، ولأنه خطاب مباشر فيه بوحٌ للأهل والأقارب، والبوح عادةً يكون صادقاً، موضوعياً، بعيداً عن المبالغة والتهويل، فهو شكوى من إنسان إلى أهله وذويه، لم يكن يخطر ببال كاتبه أنه سيُنشر في جريدة، أو يطلع عليه عامة الناس، ولهذا جاء سلساً سليماً من المجاملات السياسية، أو المراعاة لدولة أو مسؤول أو هيئة. ولعلّ هذه الميزة في خطاب الجندي البريطاني هي التي جعلته خطاباً مهماً تجري مناقشة ما ورد فيه على أعلى مستوى سياسي في بريطانيا وخارجها لماذا الوجود الأجنبي في أفغانستان؟ ولماذا الوجود البريطاني فيها؟ ولماذا تستمر القوات الأجنبية في أفغانستان إلى هذه المرحلة، ومتى ستغادر هذا البلد المنكوب، وهل في برنامجها السياسي والعسكري ذكر للمغادرة أصلاً؟ أسئلة كثيرة ربما يكون من الصعب أن نجد إجابة دقيقة عنها في هذه المرحلة ولكنّ الإجابة على أرض الواقع تؤكد أن الوجود الأجنبي في هذا البلد الإسلامي هو السبب - الآن - في مأساته التي تزداد ضراوة، وأحواله السيئة التي تزداد سوءاً، فجميع التقارير الصادرة من هيئة الأمم ومراكز الدراسات تؤكد أن الدّمار الاقتصادي والأخلاقي قد حلّ مع المحتل منذ أن ألقى بأوّل قنبلة وأول صاروخ في أفغانستان، فقد انتشرت دور السينما المكشوفة، والمجلات والصحف والنشرات غير الأخلاقية، وزادت زراعة الحشيش أضعاف ما كانت عليه من قبل، وأصبحت نظرة الأفغاني بصفة عامة إلى الوجود الأجنبي نظرة البغضاء والكراهية، فلا هو حقّق استقراراً وأمناً، ولا الحكومة التي جاء بها حققت ذلك، ولم يتحقق تطوير حقيقي للجوانب الصحية وغيرها من الجوانب المهمة للناس. فكيف يميل قلب رجل أفغاني او امرأة أفغانية إلى من كان سبباً في هذه الحالة المؤسفة التي يعيشها الناس في أفغانستان في ظل الوجود الأجنبي المسلح. وهناك جانب الهدم والتدمير وقتل الأبرياء من النساء والأطفال، وهو جانب خطير ما يزال يجري إلى الآن وكان من آخر ذلك ما حدث من قصف القوات الأمريكية لحي مدني آمن قصفاً عنيفاً ذهب ضحيته عشرات الأبرياء، ولم يكن له من سبب وجيه أبداً، وإنما هي معلومات غير صحيحة عن وجود الظواهري في ذلك المكان، وبعد أن حصلت الكارثة تبيّن خطأ تلك المعلومات، فكانت كلمة (لم نكن نقصد) هي العذر الأمريكي الذي سمعناه عبر وسائل الإعلام. ألا يمكن أن تملك بريطانيا، ومن قبلها أمريكا، ومن بعدها دول التحالف العسكري في أفغانستان شجاعة اتخاذ القرار المناسب بالتوقف عن هذه السيطرة الغاشمة على بلدٍ فقير يحتاج إلى إعادة إعمار وبناء؟ أليس في أذهان مخططي السياسة في تلك البلاد آراء صائبة يعيدون بها الأمور إلى نصابها؟؟ إشارة: تخفى الحقائق عن عيونٍ لا ترى في الصفحة البيضاء إلا الأسودا