أيتها الشمس المشرقة أبداً: سلام عليكِ ورحمة الله وبركاته تشرقين في كياني شمساً تضيء وجداني وحياتي كلها حينما تلهبها سياط الحزن وأرق المعاناة.. أستعيد في الذاكرة شريطاً تتوتر في أنسجته صور من الشقاء والطفولة وعنفوان الشباب وأشتاتاً من الأمل، والألم والحرمان.. تستقبلينني باسمة راضية فتشرق في كياني إضاءات ابتسامتك وتخفق في وجداني ألوية الفرح والابتهاج. وتبزغين أنت أيتها الشمس المشرقة لتشتتي غيوم الشتاء ورياح الخريف، وتمسحي عرق المعاناة. أتدثر بضيائك فأنسى كل همومي وأنيني.. وأعيش في حنان دافئ ينقذني من زمهرير الحياة.. وأشعر حينئذ وأنا أمارس البرّ والوفاء نحوك (أن الجنة تحت أقدام الأمهات).. أيتها الشمس الحانية أبداً.. أيها الأم المشتملة بعبق التقوى ورحيق الإيمان تظلين أبداً مشرقة في أنسجة ذاكرتي ووجداني إلى الأبد. قالت لي الذكرى شجوناً أرقت حدّثت أمي عن أبي وحفيده أبحرت في الماضي وفي الآتي.. وما حدّقت في العينين أضناها الأسى واغرورقت عيناك يا أمي.. ولو عيناك يا أمي خلاصة مهجتي حدّقت في جرحي ولون ملامحي ورسمت في عمق الجراح هواجساً يا أم: آه نرى الرفاه ونرتقي ونرى الجمال فننزوي في عفّة ذابت محبتا.. وذبنا رقةً أبحرت في الأعماق أسبرُ نبضها ورجعت ألثم صفحة وضَّاءة وروت لي المرآة ما يستغرق ورأيتها تبكي وحينا تُطرق سردتْه ذاكرة وحزن مؤرق حدّقت في القسمات وهي ترقرق كانت بلا هم.. ترى تغرورقُ ومشاعري يا أمُّ حين تحَّرقُ ومضيت لا أشكو ولا أتملَّقُ حيرى.. ونبضاً بالحقيقة ينطق ونعود.. نزهد بالكفاف فنسمق حتى يُظنَّ بأننا لا نعشق وتفصّد الجُرْحُ المضمّخ يعبق ولمحت في الآفاق ما أتعشَّق وسريرةً بضيائها تتدفَّقُ *** في كل عيد تزدحم معاناة الحزن لمن يعاني من آلام المرض، أو لديه من يعاني فتمتزج الفرحة في وجدانه، ويكاد يسيطر الحزن على آفاقه وهواجسه فلا يستطيع التعبير عن أشتات تلك المعاناة، وكان ذلك هاجسنا - أنا وإخوتي - في معظم الأعياد ونحن نشهد أمنا الحنون تعاني من آلام المرض وتراكمات الأسقام في جسدها المتعب، تنقّل من مشفى إلى آخر، وتلازم السرير عاجزة مجهدة. يأتي العيد مثل الحلم يمرُّ عابراً مثيراً شجوناً وشجوناً ربما يخفّف من قسوتها وسطوتها علينا وتراكماتها ما نشهده من معاناة الحزانى والمشردين وقتلى الحروب ومصايبهم، فالهم مشترك وتنبثق الهواجس في العيد معبّرة تقول: يا عيد يا حلم البراءة والمنى إني افتقدتك في الحياة *** ناجيْتُ طيفك.. لم أجدْ غير السّراب فتّشْتُ عنك.. بغربتي في يقظتي.. وسألت عنك !! فلم أجدْ - حتى الجواب - ها أنت - يا عيد - تقترفُ الحضور وأنت عنوان الغيابْ !! وفي هواجس المعاناة تتكسّر النَّصال على النَّصال، ويقف اللسان عاجزاً عن التعبير وتتلعثم الكلمات مشدوهةَ أمام تراكمات المعاناة وتداعياتها فلا تكاد تنطق إلاّ بأنات متوتّرة. يُميتني صوتك الأشجى، ويُحييني تشنّجت في جحيم البؤس أوردتي أناملي جُمدتْ، والصمتُ شكّلها أكادُ أهرب من همّي ومن شجني كأنني في شتات البيْن زنبقةٌ لا تتركيني بهذا اليم مسغبةً يا واحةً في خريف العمر تهتف بي وشهقةً، ثرّة الوجدان عاصفة يا جنةً من رحيق الحب ترويني وشرّش الحزن في نبضي وتكويني مجامراً بالأسى والبؤس تكويني فيهرب الدّربُ من دربي ويرميني بين السراب تراءت لي شياطيني للهم والحزن، والشكوى تغشّيني أنداؤها ضوّعت بالماء والطينِ ومدلجات الضنى والبين واسيني وبعد سنوات من معاناة آلام المرض، وتراكمات الصبر والاحتمال كان الفراق موعداً مع القدر ، سبقته إيحاءات الوداع وهواجسه الممتزجة بدوائر التفكير. وابتهالات الدعاء والرجاء باللطف والسلوان.والرضا والقبول. واحتمال المصيبة فهذه نهاية كل حي و{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }. سرير من تراب مرارة الفقد في حلقي وفي كبدي كانت شموسك يا أماه مشرقة وكنت مشعلنا في ليل غربتنا وكنت ملهمتي في العمر دافعتي وكنت صبّارةً في السقم، مضنيتي وكنت نور سراج الكوخ ليلة ما ولوعة الحزن عنواني إلى الأبد بالحب والزّهد والإيلاف والكبد والحضن بعد غياب الوالد الأبدي إلى الأمام الذي أدركته بغدي في حمل همك، هميّ، همِّ بعد غدِ تكتظ فيه ركامات من النكد رحمك الله يا أمي الصابرة المحتسبة الحنون. فكم كنت طفلاً بحضور شخصيتك وحكمتك وصبرك، وتجربتك في الحياة التي تعلّمنا منها الكثير، ونتمنى لو استطعنا أن ننسج في حياتنا خيوط البّر والتقدير والإحسان لأغلى إنسانٍ في هذه الحياة. www.alhumied.com