اعتصر قلبي ألم ممض، عندما سمعت خبر وفاة الأمير سعد بن خالد بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود، الخبر كان مفجعاً، فالأمير كان عزيزا على قلبي، ولي تجاهه عاطفة صادقة، وأنا حين أردت أن أصور مدى حزني وأسفي على الأمير الفقيد عجزت كلماتي عن ذلك، وحين اردت أن أعدد مناقبه وما اتصف به من حميد الصفات، وعالي الخصال، ما استطاعت الجمل أن تطاول قامته السامقة. فما اكتبه عن هذا الأمير الإنسان مهما اخترت له من كلمات وعبارات لن أوفيه حقه، فلكل محبيه وهم كثر من مختلف الشرائح العتبى حتى يرضوا، فهم مجمعون على حبه ان قصرت في أن أوفيه حقه. والكلمات بحق تعسرت وأنا في مثل هذا الموقف الجلل، لكني عدت إلى نفسي لأسألها اين انطلاقة القلم وطلاقة اللسان فكل كلمة اكتبها اجدها قزمة بجانب أمير في حجم سعد بن خالد, الأمير الفاضل الذي اتصف بحسن الخلق الذي نوه به الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان خياركم احسنكم اخلاقا). هذا الأمير الذي غيبه الموت عنا كان من صفاته الصدق.. الصدق الذي يدعو إليه الدين والعقل والمروءة (فلا سيف كالحق ولا عون كالصدق)، انه أمير جليل عنوانه الدعوة إلى خدمة الدين والمجتمع والوطن. كان رحمه الله خلوقاً متواضعاً اجتمعت فيه مكارم الأخلاق والعلم والعقل، احكمته التجارب فزادته حكمة وتواضعاً، يسكنه الحلم وينطقه العلم لا يقول لسانه ألا خيراً!. كما يقول الشاعر: عود لسانك قول الخير ان اللسان لما عودت يعتاد والحلم والصبر والأناة والصفات الطبية الأخرى اجتمعت بالأمير سعد بن خالد، وهي من الصفات التي يحبها الله سبحانه وتعالى يدلنا على ذلك قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران 200)، ويقول عزَّ وجلَّ {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} (النحل 127). وعرف رحمه الله بالتواضع الجم، يحترم الكبير، ويرحم الصغير مما جعله قريبا إلى قلوب الناس محبوبا لديهم، يعج بهم مجلسه العامر في العلم والثقافة والتاريخ يؤمه الكثيرون من رجال العلم والفكر والمثقفين والأدباء والشعراء، وغيرهم. كما عرف بالحلم والاناة وهما صفتان يحبهما الله ويحبهما الناس، فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس (ان فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والاناة) رواه مسلم، ومن كان حليماً متواضعاً فإن هذا من شأن العقلاء وعنوان الحكماء. اعترف ان زياراتي للأمير سعد رحمه الله واسكنه فسيح جناته كانت قليلة متباعدة والمكالمات الهاتفية تأتي بالمناسبات. لكن في كل مرة زرته فيها كنت أزداد حباً له واعجاباً بخلقه وتواضعه وحسن سجيته، وكان في سماحته وحسن خلقه انه يصر اصراراً عجيباً على تكريم من جاء لزيارته بتوديعه حتى باب منزله، واذا جلست إليه وجدته فريدا في لطفه وإنسانيته وحديثه العذب وطلاقة الوجه، جاء في الحكم المأثورة (ان من حسن الخلق ان يكون المرء لين الجانب طلق الوجه طيب الكلمة). وهذا لا يستغرب من أمير في خلق الأمير سعد الذي عرف بمحاسن الاخلاق التي تعد اللبنة الأولى في بناء المجتمع الإسلامي، فقد نوه الإسلام بالخلق الحسن ودعا إلى غرسه في المسلمين وتنميته في نفوسهم، واعتبر إيمان العبد بفضائل نفسه واسلامه بحسن خلقه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم فضل محاسن الاخلاق فقال: (ما من شيء في الميزان اثقل من حسن الخلق). لقد تأثرت كثيراً، كما تأثر كل من عرفه ولكن نراجع النفس ونقول لكل نفس أجل، و{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ}، ولا راد لقضاء الله، والحياة تبدأ بقدر الله وتنتهي بقدره، ولا نملك سوى التسليم بقضاء الخالق جلت قدرته. لقد كان الأمير سعد نوعاً نادراً من الناس في خلقه ولطفه وتواضعه، ومهما كتبت عنه من كلمات أو عبارات أو جمل شعراً أو نثراً فلن أوفيه حقه فهو أمير جليل في سجاياه، نادر في صفاته، متفرد في خصاله. أسأل الله الذي اختاره إلى جواره بشهر رمضان الكريم شهر القرآن والرحمة والغفران ان يتقبله بأحسن القبول وان يرحمه برحمته الواسعة ويدخله وارف جناته، ويلهم انجاله الأمراء خالد ومحمد وبندر وسلطان واسرته الكريمة وذويه ومحبيه الصبر الجميل، ولنحدث النفس بالصبر جميعاً نزولا عند قول الحق تعالى {اصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }(لقمان 17)، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر 10). رغم مرارة الصبر وهول المصاب.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.