ليلة التاسع والعشرين من رمضان المبارك، إحدى الليالي المباركة المرجحة لليلة القدر.. في هذه الليلة المباركة وفي رحاب المسجد الحرام أفلح علماء المسلمين في العراق من السنَّة والشيعة في وضع البداية العملية الشرعية الحقيقية لمواجهة الفتنة في العراق التي هي أحد الإفرازات السلبية لاحتلال العراق.. ولقد كان التئام العلماء في رحاب مكةالمكرمة في هذا البلد الأمين صاحب المبادرات الخيّرة لدعم العمل الإسلامي والعربي التي كثيراً ما تتوَّج بالتنفيذ الجيد لمتابعة قادة المملكة واهتمامهم، وهو ما يتوقع لوثيقة مكة التي حظيت حتى وقبل الإعلان عنها بمباركة وتأييد كبار العلماء والمرجعيات الإسلامية ليس في العراق وحده، بل وفي كل أقطار الأمة الإسلامية، لما تضمنته الوثيقة من بنود عشرة جمعت كل ما يحتاجه المسلم في العراق وغير العراق للتذكير بواجبه كفرض عين لوقف الفتنة في العراق وحقن دماء المسلمين.. هذه البنود التي اجتهد العلماء المسلمون الذين أعدوا الوثيقة وتدارسوها ثم وقَّعوا عليها تكشف عن جهد وعمل دؤوبين وكبيرين بذلهما رجال منظمة المؤتمر الإسلامي والعلماء في المجمع الفقهي العالمي منذ حوالي سنتين مضتا، فعندما بدأت مظاهر الاقتتال في العراق على أساس مذهبي أثار ذلك قلقاً كبيراً لدى عامة المسلمين، وبعد استفحال الأمر بدأت الأصوات والدعوات تتنادى طالبة من قادة الأمة الإسلامية ومنظماتها التحرك لمعالجة هذا الأمر.. وهكذا تحركت منظمة المؤتمر الإسلامي بحكم موقعها كمنظمة جامعة لكل الدول الإسلامية بكل مذاهبها وطوائفها وأن عليها واجباً في ذمتها أمام الأمة الإسلامية وأمام التاريخ، وأمام الإنسانية أن تبادر بالقيام بما يُوقف نزيف الدم المُراق في العراق كل يوم.. وبالفعل فقد تطلعت الأنظار في العراق وفي غيره من البلدان الإسلامية لهذا الدور من المنظمة. وبناءً على ذلك تمت اتصالات عديدة مع كثير من الجهات العراقية، خصوصاً الدينية منها، للتشاور معها بشأن القيام بمبادرة في هذا الصدد.. ولما كانت ردود الفعل الأولى إيجابية قرر الأمين العام أن الظرف الأمني والصراع الطائفي في العراق لم يعد يحتمل التأجيل، بدأ رجال متخصصون في وضع تصور مبادرة تتم باسم المنظمة، أو باسم العالم الإسلامي كله باعتبار أن المنظمة هي الجامع الوحيد لشتات الأمة الإسلامية، والناطق باسمها، والمعبِّر عن قضاياها. وقد توصل المختصون، وهم من خيرة علماء الأمة وعبر المجمع الفقهي إلى وضع مبادرة تقتصر على جانب النزاع الطائفي الدموي لإخماد جمرته، باعتبار أن هذا النزاع بما ينطوي عليه من خلفيات دينية يكون عادة أكثر أنواع النزاعات دموية وعنفاً، وإذا ما تمكّن من يتصدي له من التعامل معه بكيفية مجدية تكون اللبنة الأولى قد وُضعت لنزع فتيل النزاع الطائفي الذي يُعاني منه العراق اليوم. الآن وضعت اللبنة الأولى في مكةالمكرمة وسوف يعمل الجميع على رفد هذه اللبنة بلبنات أخرى ليقوى بناء وجدار اعتراض الفتنة في العراق كمنطلق لمعالجة المشكلة العراقية التي أوجدها الاحتلال الأجنبي لهذا البلد المسلم، وهي انهاء الاحتلال واعادة العراق الى ما كان عليه .