قد يعيش الإنسان بلا أمل، لكنه لا يكون حياً، ولا يشعر بنبض الحياة في الناس والأشياء من حوله، وقد يغير الأمل بعض طباع الناس ويبدل في نفوسهم أشياء كثيرة، فيحفز من ناحية فيهم الرغبة في الحياة ويولد فيهم الطاقة والقوة لمجابهة متقلبات الحال ومتغيرات الظروف، وقد يولد الأمل الاستعداد لركوب الصعاب وقبول التحديات أياً كانت، ومن ناحية أخرى قد يموت الإنسان من كبر الأمل فيقتل هذا الأمل في الناس بعض قيمهم ومبادئهم وما يبقيهم أحياء، وعلى هذا أقول إنه ما قتل الإنسان شيء مثل الأمل وما أبقاه حياً مثله. هذا التضاد فيما يحدثه الأمل في نفوسنا وحياتنا، يفرض علينا أن نتعامل مع الأمل بجميع أوجهه، فلا نطلق له العنان في نفوسنا فيطول بنا ويلهينا عن جوهر وجودنا، فنموت وإن عشنا ونخسر بمطاولتنا له وركضنا من خلفه ما قد يقربنا إلى خالقنا ويبعدنا عن حياتنا الحقيقية الدائمة والمنتظرة، أو يفرض علينا هذا الأمل أن نفقد كرامتنا أو أفضل ما نملك من صفاتنا وصفاء سرائرنا وإحساسنا بالآخرين من حولنا، ومن جانب آخر لا يجب أن نبعد الأمل عن حياتنا فنفقد بهذا ما يحرك قدراتنا ويوقد مشاعرنا ويستثير قوانا الكامنة فتموت فينا الرغبة في حرث ما أوجد لنا في هذه الدنيا بجميع تفرعاتها. الأمل مطلوب مع العمل الدؤوب الصادق والمتزن الذي يرجى به وجه الله سبحانه مع أهمية الإيمان بأن ما يتحقق لنا ما هو إلا رزق قد كتب لنا ومُكّنا من مسبباته بفضل الله، فلا يغرينا هذا في أن نتمادى في طلب المزيد والتعلق بالأمل وإن خسرنا في سبيل تحقيق المزيد من قيمنا وكرامتنا. وأن نؤمن بأن ما فاتنا لم يكن ليتحقق لنا، فلا نفقد الأمل في طريق آخر واثقين أن ما نشقى لتحقيقه إن لم يتحقق سيحفظ لنا ونعوض عنه في يوم نكون فيه في أمس الحاجة لما يرجح موازيننا. ويبقى الأمل الحقيقي الأسمى والدائم في رحمة الله وغفرانه.. والله المستعان.