هل غدا كاتب السيناريو للمسلسلات التاريخية بمثابة المؤرخ قديماً وهل يحق له أن يضيف مشاهد ويلجأ إلى المبالغات ويستعين بالخيال عندما يتناول تلك الشخصيات التاريخية ويقدمها للمشاهد العربي, و(السيناريست )محتار فهو واقع بين أمرين إما ان يتقيد بحرفية التاريخ وإملاءاته ووقائعه وأحداثه وبالتالي فليس بالضرورة أن يلتزم ذلك فهو ليس أستاذاً أو أكاديمياً يقدم التاريخ في منهج دراسي أم أنه يستخدم التاريخ كمادة أولية ويعيد تكويرها ويحييها من جديد ويضيف عليها بعض ما تفرض ذائقته الفنية والسينمائية، وهنا يقع في إشكالية كبرى مع المؤسسات العلمية التي ربما قد تحاسبه على أخطاء تاريخية وقع فيها, كما حدث في فيلمي (شفرة دافنشي) و(آلام المسيح), ونجد أن المؤسسات الفنية في المجتمع الغربي يمارس حريته إلى أبعد حدودها ويقدم تلك الشخصيات التاريخية بشكل موضوعي، وقد يلجأ إلى نقد سلوكياتها وممارستها وأخطائها, أما الموسسات الفنية لدينا فللأسف تحاول أن تكرس الأبطال في تلك المسلسلات التاريخية وتقدمهم في قالب المثالية والسمو وقد سعت المخيال الشعبي إلى تقديس البطل وتقديمه كأنموذج لا يمكن أن يخطئ, حتى وأن أخطأ فخطأه غير مقصود ودائماً ما تبرر له سلوكياته من قبل الجمهور الذين يودون سماع آخر مقطوعة في سيرته الذهبية ولا يفسد متعته تجاه سماع تلك القصص إلا صباح شهرزاد وقفلتها لقصصها الممتعة على مسامع شهريار, وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح وهذا الكلام المباح الذي صبغتها شهرزاد على أسفارها (ألف ليلة وليلة) تعيدها جماهير القرن الواحد والعشرين وتصبغها من جديد على أبطال مسلسلاتها التاريخية, وتتبارى القنوات الفضائية في شهر رمضان المبارك على إرضاء المشاهد العربي وتقديم ما لديها من مسلسلات تاريخية وهناك مسلسلان (أبناء الرشيد) و(خالد بن الوليد).. هذه المسلسلات تحاول أن تملأ عقلية المشاهد بالمعلومات التاريخية عن تلك الأحداث المهمة والشخصيات في ظل انشغاله وعزوفه الدائم عن القراءة، وتحاول أيضاً أن تربي النقد المشروع في نفسية المشاهد ونجده يتبرم أحياناً من مشهد حصل في مسلسل (أبناء الرشيد) حينما حاول المخرج أن يبالغ في تصوير مشهد الخليفة هارون الرشيد ومسامراته مع غناء إبراهيم الموصلي وشعر أبي نواس والجواري والنبيذ، وبلا شك أن هذا المشهد قد أثار بعض المشاهدين الذين يحاولون إضفاء القدسية والمثالية على تلك النماذج ويرون أن تلك المبالغات تسعى إلى تشويه الرموز، ولهم الحق في إبداء مشاعرهم طالما أنها في إطار النقاش ولا تمس حرية الرأي والرأي الآخر؟