في المجتمعات الاستهلاكية عموماً تنخفض قيمة الفرد على المستوى الإنساني، مقابل ارتفاعها على مستوى كمية المقتنيات، وبالتالي يصبح الركام الذي يحيط بك هو الذي يحدد المكانة والحيز الاجتماعي الذي تشغله وتصنف من خلاله. طبعاً نعرف أن مجتمعنا يقع في مراحل متقدمة على مستوى الاستهلاك، ولنا أن نتأمل حالة النهم والشره الشديد التي تسبق دخول رمضان لنصل إلى أن الفجوة الاستهلاكية لدينا في غاية الاتساع. هذا الأمر قد لا ينحصر على المستوى السلعي فقط، بل قد يتجاوزه إلى الكثير من الأمور حتى يصل إلى تسليع الأفراد أنفسهم ومحاصرتهم بظاهرة (التشيؤ) التي يغدو الفرد من خلاله موازيا للسلعة من حيث قابليته لدخول سوق العرض والطلب، وبالطبع القضية لا تتضح بشكلها المباشر ولكن نلمحها عندما تنسحب أطيافها على الكثير من العلاقات الاجتماعية من حولنا. أحدى قريباتي اتصلت بها خاطبة تعرض عليها عريساً لإحدى بناتها، حيث يشترط العريس صبية دون العشرين، بينما هو في الخامسة والخمسين (لا بد أن هذا الرقم المحسن الذي تعرضه الخاطبة ولنا أن نضيف عليه هنا عشر سنوات) متزوج ولديه عائلة وأولاد، وسيقدم للعروس مهراً مليون ريال وفيلا وسيارة وهي المعادل (للشقة والعربية) في الأفلام المصرية. لعل قريبتي مع دهشتها حينها لم يغلبها الجواب حينما أجابتها: هل تريدينني بيع بناتي؟ ولكن هذا الجواب قد يبدو مسرفا في مثاليته للكثير من الأطراف والعائلات الأخرى بدليل أن العريس نفسه لاحقا بدأ مشروع خطبة مع صبية اقتنع أهلها بالموضوع. بالطبع هذه الإهانة الإنسانية يسهم المجتمع الاستهلاكي في صياغتها وتكريسها، بل إن هناك برنامجاً يعرض على إحدى الفضائيات عن مليونير يبحث عن عروس بمواصفات خارقة تستطيع الفوز بإعجابه، في شكل يشبه تلك الحفلة الكبرى التي أقيمت للأمير ليختار بين فتيات المدينة سندريلا الخاصة به. عبر التاريخ كثيراً ما كانت المرأة مقتنى وشيئاً له ثمن... بدون إرادة واضحة وخيار مستقل. ولعل مصدر الإهانة هو حينما تتحول المرأة إلى حقيبة، حيث تنخفض خصائصها الإنسانية، ونعمة العقل الموكل بالإرادة والاختيار الحر، لتصبح حقيبة تُنقل من مكان إلى مكان، وكلما كانت الحقيبة جديدة ولم تستعمل ارتفع ثمنها. حتى على المستوى الديني دوما يربط التكليف الإلهي بالحقوق والواجبات بتمام العقل، ولكن مع هذه الإهانة الكبرى التي تختلس منها إنسانيتها يتوارى العقل في ظلمة مجتمعات دأبت على تسليع كل شيء حتى أفرادها، وهنا يصبح الأمر مركبا بالنسبة للمرأة لأنها تكون على الغالب مغيبة عن حقيقة استقلالية قرارها وكرامة العقل التي خصها بها الله، لذا سرعان ما نجدها قد انغمست في المسارات الغريبة التي تصنع منها حقيبة بأرجل قابلة للبيع والشراء وفق قوانين السوق.