ستة وسبعون عاماً مرَّت كنسمة طيف حانية، داعبت أرجاء الوطن، وعطَّرت جباله الراسخات بعبير الذكريات، فأحيت الشجون، وأسعدت العيون، وربطت حاضرنا المجيد، بتاريخ الرجال الموحّدين، عمر مجيد من حاضر الأمة وتاريخها المشرّف الذي أرسى قواعده الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، بعد كفاح طويل انتهى به إلى توحيد المملكة العربية السعودية، سنوات من الكفاح، نتذكّرها بكل فخر واعتزاز، ونحتفي بها احتفاء الأوفياء، ننشد لها أغنية الوطن، وقصائد الحب والولاء، والتكاتف والوفاء. قطعاً، لن نفي القادة العظماء حقهم مهما كتبنا وقلنا، ولعلهم لا يريدون منا ذلك، وكل ما يرجونه منا هو صادق الدعاء، فهو أبقى وأنفع لأموات المسلمين. إذاً كيف نرد لهم الدين الذي في رقابنا؟ وكيف نجازيهم على حسن صنيعهم؟ وكيف نعوّضهم عن سنوات الكفاح الطويلة التي قضوها مهاجرين متنقلين بين الصحاري والبحار والوديان سعياً وراء تحقيق هدفهم الأسمى؛ توحيد الدولة وخلق الكيان الإسلامي في قلب الجزيرة العربية؟ التغني بأمجاد التاريخ ضرورة ملحة لشحذ الهمم ومتابعة المسيرة، وربط الحاضر بالماضي من أجل بناء المستقبل على أسس متينة من القيم والتضحيات، والعمل الدؤوب الذي لا يمكن له الوقوف عند حد معين، كي لا يكون الوطن بعيداً عن معادلة التنمية العالمية. البناء على قواعد التاريخ هو أساس العمل التنموي، وهو أنشودة الوطن المتجددة، وهو ما يصبو إلى سماعه مؤسس كيان الأمة، لو قيّض له ذلك، فديمومة البناء، وبقاء الوطن شامخاً أمام مدلهمات الأمور هو المكافأة الحقيقية التي يمكن أن نقدّمها هدية للوطن في يومه الخالد، وهو الدَّين الذي يفترض أن نسدده إلى قادتنا العظماء، بدءاً بمؤسس الدولة السعودية، ورجاله العظماء، ومروراً بملوك المملكة العربية السعودية الذين أفنوا حياتهم في خدمة الوطن وبناء أركانه، وتثبيت قواعده كي يكون واحة أمن وسلام، ووطناً للجميع دون استثناء. استمرارية خطط البناء أصبحت الشغل الشاغل لخادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز اللذين بدءاً في غرس بذور التنمية في جميع مناطق المملكة. إستراتيجية البناء هي الإستراتيجية الحكيمة التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وهي الإستراتيجية التي يفترض أن ينتهجها كل فرد من أفراد المجتمع. لم نعد في حاجة إلى من يذكّرنا بأمجاد الأمة دون أن يربطها بأمجاد الحاضر، وبناء المستقبل، وهي مسؤولية الجميع دون استثناء، العلماء، والوزراء، الصنّاع والزرَّاع، النساء والرجال. على كل تقع المسؤولية في بناء ما أوكل إليه من عمل، داخل إطار منظومة الوطن الشاملة. عندما نتحدث عن مشاريع التنمية، والمدن الصناعية والتقنية، والجامعات وغيرها من مشاريع عملاقة، فإننا نتحدث عن مستقبل الوطن، ومستقبل أبنائه وبناته، وهو المستقبل الحقيقي الذي يمكن من خلاله مكافأته، وتخليد ذكرى الموحّد العظيم. بقي أن أقول، طالما أن للوطن حقاً عظيماً على الجميع، فلمَ لا تكون هناك مبادرات حقيقية من رجال المال والأعمال لمكافأة الوطن في يومه الخالد. أتمنى أن تكون هناك مبادرات تصدر عن رجال المال والأعمال لتقديم هدية الوطن في يوم توحيده، من خلال بناء المشاريع التنموية المتكاملة في مناطق المملكة المختلفة؛ بحيث يتبرع رجال الأعمال لبناء مبانٍ تعليمية على سبيل المثال، أو مستشفيات في المناطق المحتاجة، أو مكتبات عامة، أو مجمعات سكنية للفقراء والمحتاجين، أو حدائق ومتنزهات حديثة، ونحو ذلك من أعمال الخير والنماء، مثل هذه الهدايا القيِّمة هي ما يحتاجه الوطن في يومه الخالد، وهو حق من حقوقه على أبنائه الموسرين الذين أنعم الله عليهم بالخير الوفير. لو أقدم رجال المال والأعمال على تقديم هداياهم السنوية للوطن، لعمّت الفرحة أرجاءه، ولتغلغلت البهجة في نفوس أبنائه، ولأثبتوا للجميع أن فرحة الوطن لم تعد أنشودة يرددها المنشدون وتنقطع بإشراق اليوم التالي، بل هي دين ثابت في رقاب أبنائه البررة الذين لن يترددوا بعون الله وتوفيقه في أن يستلهموا إستراتيجية (البناء على قواعد التاريخ)، فالوطن يستحق الكثير، والوفاء من شيم الكرام.