الوطن.. البلد.. الأرض.. التراب.. كل منها بمثل نغمة عذبة مموسقة تتباهى بها شفاه من ينعم بهذا الوطن؛ لأن الوطن في مجمله عزة وكرامة وانتماء ونكران ذات وتضحية وفداء وإثبات هوية.. وما إلى ذلك من الألفاظ التي تعبر عن قيمة الوطن وقيمة أن تنتمي إلى الأرض التي ولدت وترعرعت في إنحائها، تتفيأ ظلال النعمة تحت وارف دوحها وأنهارها وبحارها ودروبها وجبالها. ومنذ تأسيس هذا الوطن الأبيّ على يد المؤسس (طيب الله ثراه) كان الهمّ الشاغل لولاة الأمر منذ عهد الملك المؤسس وعبر كل العهود التي تبوأها أبناء عبدالعزيز البررة.. كان الهمّ الشاغل لكل هؤلاء الارتقاء بهذا الوطن شامخاً بين البلاد الإسلامية والعربية والعالمية، وتأكد لهم أن ذلك لن يكون إلا بالارتقاء بالمواطن السعودي، فكانت هذه الطفرة الواسعة في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية.. إلخ؛ ما أصبحت معها المملكة في ريادة الدول الإسلامية والعربية من خلال سياسة حكومية راشدة واقتصاد حر قوي وخدمات تعليمية وصحية متميزة ارتقت بالمواطن.واليوم الوطني لأي دولة هو رمز عزة وتأكيد وحدة، وتعزيز قدرات وحصاد جهود وثمرة غراس وحماية تراب وعقيدة، وكلها مؤشرات إلى أن السفينة تجري على الخط المرسوم لها وصولاً إلى مرافئ الرخاء والاستقرار وإلى بر الأمن والأمان. والاحتفاء باليوم الوطني ما هو إلا تعبير لما للوطن من مكانة في قلوب المواطنين، فالوطن هو الأم الرؤوم التي تبسط جناحيها لتحتضن أبناءها كافة تحت مظلتها التوحيدية العقدية التي انبنت وتأسست ونشأت على قواعد راسخة راكزة من مبادئ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.. فهذا الوطن الأبي ناهيك عن الأمور الأخرى وبغض النظر عن فضائله وإسهاماته المختلفة في كل أرجاء العالم، يكفيه فخراً أنه مهبط الوحي وأنه يحتضن المدينتين المقدستين مكة والمدينة والمشاعر المقدسة، وأن الله خصه بالكعبة المشرفة وبيت الله الحرام، وأنها الأرض التي استقبلت سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم واحتضنت مثواه الأخير. ونحن نحتفي بهذه الأرض الطاهرة من الضروري إبداء مظاهر البهجة والسرور بهذه المناسبة الوطنية العزيزة على قلوبنا جميعاً، وذلك من خلال الاحتفالات بمختلف أنواعها واللقاءات العلمية والمحاضرات والندوات؛ تعبيراً عن مشاعرنا الصادقة التي تختلج في نفس كل مواطن يشعر بانتمائه لهذا البلد الطيب. ولكن.. الأهم من ذلك كما ذكرت في مناسبات سابقة ألا ننسى المغزى الأساسي من هذا الاحتفاء بالوطن، فعلى كل منا حكومة ووزارات وقطاعات حكومية وخاصة وأفراداً.. أن نتوقف برهة ونتلمس خطواتنا ونتحسس مواطئ أقدامنا وأن نراجع حساباتنا وماذا قدمنا لهذا الوطن، وهل ما قدمناه يتوافق مع ما قدمه الوطن لكل منا في كل مراحله الحياتية؟ فالجزاء ينبغي أن يكون من جنس العمل.فمن قدم لك معروفاً من الغرباء وجب الاعتراف والوفاء له، فما بالك بأم رؤوم بسطت لنا الحبل فوصلنا منه ما اتسع؟ فما بالك بأم رؤوم تنحت في الصخر لتؤمن لنا احتياجاتنا، كل حسب تطلعاته؟.. من هذا المنطلق فلتكن توجهاتنا كلنا نحو تعزيز انتمائنا لهذا الوطن من خلال هذه المحاسبة الذاتية، وكلما كانت المحاسبة صادقة عاد ذلك إلى خير الوطن ونمائه ورخائه وقبل كل ذلك الوفاء له. في هذه المناسبة الوطنية الطيبة يشرفني أن أرفع لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز أسمى آيات التقدير والإجلال والاحترام.. والشكر موصول إلى أفراد الأسرة المالكة الكريمة والحكومة السعودية الرشيدة وأبناء الشعب السعودي الأبي. (*) مدير جامعة الملك عبدالعزيز بجدة