بحر الوفاء أصبح غورا يا صديقتي منذ تهاوى زورقنا في خضمه.. لا تجزعي فكل شيء مصيره إلى الزوال.. حتى تلك الصداقة التي نبتت بين قلبينا!! لم يعد شيء مستحيلا منذ رحلت وحدي إلى حيث لا أدرك أي طريق ستأخذني إليها قدماي.. فقد جفَّ بحر الوفاء ولم يعد لزورقنا مكان فيه؛ فقد جاء الشتاء القارس برياحه العاتية يعصف به (لم يستطع كلانا الصمود)، فكان مصيرنا الافتراق.. نعم يا صديقتي، هل تذكرت الآن.. كيف بنينا ذلك الزورق منذ أول يوم تصادقنا؟ كيف جعلنا شراعه الحب والثقة والأخلاق!! كيف اخترنا بحر الوفاء ليكون طريقا نعبر فيه..! مع كل هذا يا صديقتي، نسيت أو تناسيت لا أدري؟ كلانا أخطأ في لحظة ضعف لم نستطع المواجهة أمام الرياح العاتية.. فرحلت وحدي وحدي قط مع الناي.. أبثه أجمل لحن عرفته مذ كانت هناك ألحان راسخة في قلبينا.. لعلني أسلو.. أو ربما أتناسى كما فعلت، لِمَ يا صديقتي؟ هل وصل بك الجهل إلى أن تصدقي ما قيل؟ كلام كان حمله خفيفاً ووزنه ثقيلاً، لم يكلف التي قالته لك سوى بضع لحظات، عادت بعدها وهي منتصرة.. ولكن ما فائدة الانتصار لمن باع ضميره.. عدت لأراك بعد غيبة طويلة في زورقنا عبر بحرنا، وكانت السماء تبارك مسيرتي، فوصلت سريعاً لكي لا أمزق الشراع.. وللأسف كم حزّ في نفسي عندما وجدت الشراع قد لأصابه البِلى ووجدتك هائمة غارقة في بحر الكراهية والحقد.. لا لشيء إنما لكلام بخس اشتريته من أخرى من باعة الضمير.. حاولت أن أفهم ماذا جرى!؟ فإذا بي لأرى سدوداً قد بنيت بيني وبين الوصول إلى الحقيقة، فتألمت لأنني عرفت أنك أنت التي بنيتها. وجاءت الأخرى بائعة الضمير تبيع كلاما بخسا لي، وصدقتها في لحظة ضعف مثلما فعلت أنت، لم أستطع الصمود، وكانت البذور أقوى من أن تصمد، فجمعت إرادتي وحبي العميق لك وهدمت سدوداً بنيتها بضعفك، وتقابلنا معاً أنا وأنت، والحقيقة لأول مرة منذ ضعنا كلانا عن مواجهة بعضنا.. تقابلنا ليضع كلانا يده في يد الأخرى، ولنجمع شتات الزورق المبعثر للبناء من جديد، فلم تعد هناك رياح عاتية في حياتنا، وأصلحنا الشراع بروابط أقوى، وواصلنا المسيرة عبر بحر الوفاء والمُثُل والأخلاق.