السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد: فإنني أتمنى ان أجد لديكم متسعاً لمناقشة بعض مما ورد في مقال الكاتب: (محمد آل الشيخ)، والذي عنون له ب(منابر المساجد)، في العدد رقم: 12395 . أورد الكاتب في بداية مقاله بعض الثمرات التي يجنيها المسلم من المسجد (دار العبادة)، فقال: من خلاله يتم تهذيب الأخلاق، والحث على غرس أصول الدين الحنيف، والتعامل بين الناس وفض منازعاتهم وقضاياهم، كما جاءت به شريعة الإسلام. ثم أعقب الكاتب كلماته السابقة بما يظن ان فيه كسباً للقارئ وضماناً لوقوفه في صفه!، وذلك حتى يتسنى له ان يحسم النتيجة من البداية!!، فقال: لم يكن المسجد في يوم من الأيام محل (تحريض)، او تصفية حسابات، ولم تكن خطبة الجمعة خطبة في (السياسة) او النّقد، ولم يذكر لنا التاريخ ان منبر الجمعة استغله المعارضون لفرد عضلاتهم، والمزايدة على السلطة، او على قرارات اجهزة من أجهزتها! ومما قاله الكاتب أيضا مما يصب في ذات الموضوع: ومن خلالها يجري التحايل على نظرية (طاعة) ولي الأمر في الإسلام، والتحريض عليه وتجييش الناس على أجهزته!! هكذا!! ويبدو والله أعلم اننا لن نتخلص من عقدة نظرية (المؤامرة) التي شعر بها بعض كتابنا - هداهم الله -! هذه العقدة التي كانوا يتندرون بها على غيرهم، ثم وقعوا فيها بعد ذلك، والله المستعان! انني لا أعرف كيف استطاع الكاتب ان يصل الى هذه النتيجة، والتي لم تصل اليها الأجهزة المختصة بكل ما تملكه من طاقات وقدرات؟!! أيها الكاتب: كفاك تلاعباً بهذه الألفاظ وأمثالها، والتي صارت موضة قديمة تترفع عن قبولها عقول القراء. أما ان كنت تزعم الصدق فيما تقول فلتأت لنا بالأدلة على ذلك: والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء يقول الكاتب بعد ذلك: كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يتذرّع به بعض (الانتهازيين) من خطباء المساجد اليوم، كان أداة تنفيذية بيد ولي الأمر الذي بيده السلطة، وليس بيد كل من هب ودب. وأنا أتعجب من تناقضات الكاتب التي كثيراً ما تواجهنا في كتاباته، فقد قال في بداية مقاله وهو يتحدث عن دور المسجد: من خلاله يتم تهذيب الاخلاق، والحث على غرس أصول الدين الحنيف، والتعامل بين الناس وفض منازعاتهم وقضاياهم، كما جاءت به شريعة الإسلام، ثم جاء هنا ليقول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يتذرع به بعض الانتهازيين من خطباء المساجد اليوم، كان أداة تنفيذية بيد ولي الأمر الذي بيده السلطة، وليس بيد كل من هب ودب!! عجباً! أليس في تهذيب الأخلاق والحث على غرس أصول الدين الحنيف وفض منازعات الناس وقضاياهم قياما بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!! لا تعليق! يقول الكاتب بعد ذلك: المحتسب (الرسمي) في الإسلام لا تنعقد له ولاية (صلاحية)، إلا بتعيين ولي الأمر. وأنا هنا أحب أن أضيف الى الكاتب معلومة مهمة لا أدري إن كانت قد خفيت عنه وهي: أن الخطيب في بلادنا لا يتولى هذه الولاية إلا بعد إذن ممن أنابه ولي الأمر. يقول الكاتب: أما اليوم وفي ظل هذه الفوضى الفكرية العارمة، وامتطاء الدين كوسيلة، تحول المنبر الى أداة (سياسية). أقول: لابد أن يعلم الكاتب ان خطباءنا لم ولن يجعلوا من المنابر وسائل سياسية، وما قاله الكاتب هنا دعوى تضاف الى قائمة ادعاءاته التي يبدو انها بلا نهاية إلا أن يشاء الله! أما كون الخطيب يتناول بعض القضايا السياسية التي لها بالغ الأثر في واقع الأمة، ويعضد ما يذكره حولها بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة، فذلك أمر لا غبار عليه. وقد سئلت اللجنة الدائمة للافتاء برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - عن ذلك فكان الجواب: للخطيب ان يبين في خطبة الجمعة وفي دروسه ومحاضراته ما تحتاجه الأمة من المعارف العامة، وان يعالج أمراض الشعب ويحل مشاكلهم قدر استطاعته بالحكمة والموعظة الحسنة، سواء سمي ذلك سياسة او خطبة جمعة او تعليما او ارشادا، وما كان يترتب عليه من كلامه فتنة او مفسدة راجحة على ما يقصد من المصلحة او مساوية لها ترك الحديث فيه إيثاراً للمصلحة الراجحة، او حذرا من وقوع ما لا تحمد عقباه (فتاوى اللجنة الدائمة: 8-230-231 ). يقول الكاتب: والمتتبع (لتاريخ) خطبة الجمعة في الإسلام لن يجد هذه النبرة السياسية التي يمارسها (خطباء) المساجد في هذه الأيام، فلم تكن (قط) وسيلة من وسائل النصيحة (الخاصة) التي نادى بها الإسلام، لأن الأصل في (النصيحة) الخاصة ان تكون سرية وأخوية، بينما خطبة الجمعة (علنية) يسمعها القاصي والداني... الى آخر كلامه عن (الإسرار) بالنصيحة. أقول: لا شك أن الأصل في النصيحة ان تكون سرية، غير ان بعض المواطن قد تستدعي الاعلان في النصيحة، ومن أهم تلك المواطن التي تستدعي الاعلان إذا أعلن بالباطل! وهكذا كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- فقد كان يعتلي منبره حين يرى مخالفة تستدعي ذلك، ويبتدئ بقوله صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام، وقد تعددت على إثبات ذلك الروايات في كتب السنة حتى بلغت أكثر من120 رواية. ومن الأمثلة على ذلك ما رواه صاحب الحلية بسند يرفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما بال أقوام يشرفون المترفين، ويستخفون بالعابدين، ويعملون بالقرآن ما وافق أهواءهم، وما خالف اهواءهم تركوه، فعند ذلك يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض. وعليه فإن (الإعلان) بالنصيحة في هذا الموطن وأمثاله أمر مطلوب، بل هو الواجب. أما ما نقله عن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - مفتي البلاد الأسبق حين قال: وقد تولى الشيخ محمد بن ابراهيم - رحمه الله - مسؤولية الخطابة في مسجد الإمام تركي بن عبدالله في مدينة الرياض مدة طويلة، ولم يذكر عنه أنه حول المنبر الى وسيلة للمطالبات، او لنصيحة (علنية) لولي الأمر، كما لم ينتقد ويعرض بأحد من وزرائه، أو جهاز من أجهزته قط، وهكذا كان أسلافه - رحمه الله - من قبله.. ويستحيل على من حولوا منابر المساجد الى مهاترات، ومطالبات، وانتقادات، وتعريض بهذا أو ذاك، أن يقدموا دليلا واحدا له رحمه الله، شنع فيه على أحد بعينه، ان تلميحاً او تصريحاً، او حرّض، او طالب او نصح نصيحة (خاصة) لولي الأمر، أو العاملين في أجهزته.. أقول: هذا النقل لي مع وقفتان: 1- قوله: (يُذكر) لا يعد دليلا يصلح ان يعتمد عليه، بل ان هذه الصيغة من صيغ التضعيف كما هو معلوم عند أهل العلم! 2- صح النقل عن سماحة الشيخ (محمد بن ابراهيم) حيث تحدث عما ينبغي للخطيب أن يتحدث عنه أنه يرى أن على الخطيب أن يتحدث عن الأمور الهامة، ولا شك أن القضايا السياسية التي لها تأثيرها على واقع أمتنا من أهم المهمات. يقول - رحمه الله - الاقتصار على ذكر فناء الدنيا والموت (لا يكفي)، كما انه لا يكفي الاقتصار على كلمات الحكم النافعة، لابد من موعظة وشيء يحرك القلوب.. ثم ايضا اعتماد السجع وكونه هو هم الخطيب مرجوح لا ينبغي. فإن أتى به مع اتيانه بالأمور الهامة فلا مانع (فتاوى ابن ابراهيم: 3 - 20). ويقول الكاتب في ختام مقاله: وبعد كل ما تقدم، وكل ما تم تفصيله سابقاً، ألا يحق ان نتساءل: من قدوتنا؟ هل هم فرقة حسن البنا و(الاخوان المسلمين) وفروعهم، والمخدوعون بأساليبهم ومناهجهم من علمائنا، الذين جعلوا المسجد محل مزايدات سياسية، أم هم أولئك الذين (نأوا) بخطب الجُمع عما يطلبه المسيسون والمتحزبون؟ وأنا أقول له متجاوزاً عبارات التجييش التي لا تليق: عليك ايها الكاتب بامتثال قول الحق تبارك وتعالى: { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) سورة النساء. ومن هذه الآية يعلم ان المرجع عند حلول الحوادث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين هيأ لهم الله تبارك وتعالى طرق ووسائل الاستنباط، وذلك أمر ليس لأي أحد ان يدعيه لنفسه.. والله من وراء القصد.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ماجد بن محمد العسكر - الخرج