يقولون: الحب أعمى، إشارة إلى أن الحب يحدث دون النظر لصفات المحبوب التي قد يراها الآخرون صفات مذمومة، بينما تبقى في نظر المحب سبباً لتعلقه بمحبوبه وللبحث عن لحظات غير سعيدة معه، وعلى أية حال في ثقافتنا المحلية أو دعني أوسع الأمر قليلاً وأقول إنه في ثقافتنا العربية، لا يُحَب المرء لسمو خلقه وتميزه بصفات محمودة بقدر ما يحب لصفاته الجسدية ولاتصافه بكل الصفات التي تُكره في غيره، فأنا لم أسمع أو أقرأ في شعرنا العربي من تغزل في محبوبته لأنها على خلق رفيع قبل أن يتغزل بجمال صدرها وشفتيها وجمال جسدها، بل على العكس هذه المحبوبة في الغالب تتصف بكل الصفات الغير المحمودة، فهي خائنة وقاسية ومغرورة وغير متفهمة وأنانية وغيرها من الصفات التي تربك وتجعل السؤال دائماً حاضراً: لماذا يُحَب من يتصف بها؟ والتي تؤكد أيضاً أنه في ثقافتنا العربية يقوم الحب والعشق على الصفات الجسدية قبل أي شيء آخر. أيضاً في ثقافتنا العربية ما يؤصل الميل للمعاناة والشعور بالظلم والاضطهاد، فكل المحبين الذين نشروا أشعارهم ورددناها من بعدهم تكلموا عن معاناتهم مع الحبيب الهاجر الذي في الغالب لا يبادلهم الحب بمثله - وهذا أيضاً يلفت النظر فالحب غالباً يمنح فقط لمن لا يبادل الحب بمثله - وبينوا بكاء الرجال وانفطار قلوبهم على فراق الحبيب دون أن نسمع أو نقرأ بنفس الكم والنوع عن من انتصر لكرامته وعف عن حب من لا يبادله الحب أو تغنى بحب محبوبه له، وكأن الموروث الشعري والأدبي يعزز أن يبقى المحب دائماً في معاناة وإلا فلا يجدر به أن يكتب مع المحبين، حتى إذا حصل على ما يريده من محبوبه تناساه وبحث عن معاناة أخرى يروي فيها أشعاره وقصته مع حبيبه الغادر الذي لا يبادله الحب بمثله. على أية حال الحب وإن كان أعمى، لا يمنعنا من ملاحظة كل تفاصيل الجمال الجسدي في من ندعي حبه ولم أعرف حتى الآن من قال إنه أحب محبوباً قبيحاً في شكله أو في تفاصيله الجسدية، والحبيب المطاوع الذي يحقق لنا بسمو أخلاقه ما نريد ولا وجود له في ثقافتنا ولا يجدر بنا الاهتمام به، حتى نحقق المعادلة ونفرض عليه الركض من خلف تجاهلنا وإهمالنا له، وهذه حال مقلوبة كبقية أحوالنا العربية المقلوبة. والله المستعان.