شدد أستاذ الأدب القديم بجامعة الملك سعود الدكتور منذر كفافي، على أن واقع الشعراء الصعاليك أجبرهم على البعد عن المرأة في الجانب الحسي إلا ما ندر، إلا أنهم تغنوا بالمرأة وتغزلوا بها في أشعارهم، وكل ذلك من واقع الخيال الشعري الذي يميز الأدب عن غيره، إذ كان من الصعب جدًا أن يلتقوا بالمرأة إلا بالخفية نظراً لتشردهم وفقرهم وعدم استقرارهم. وقال كفافي، خلال محاضرة ألقاها صباح أمس في خميسية الجاسر في الرياض بعنوان «المرأة في شعراء الصعاليك: الصفة والقيمة»، وأدارها الدكتور عبدالحق بالعابد: إن الشعراء الصعاليك رفضوا قوانين القبيلة وثاروا عليها، وتشردوا ولجأوا إلى الصعلكة، وكانوا يأخذون من أموال الأغنياء فيوزعونها على الفقراء، إذ كانوا قريبين من معاناة الناس، ولهذا اتصلت أوصال مجتمع شعراء صعاليك جاهلية العرب، واتحدت مشاعرهم بوطأة الظلم، والفقر، فبادروا إلى سلب الغني البخيل، ومناصرة الفقير البائس، فحملت نفوسهم أخلاقاً، وقيماً سلوكية، تغنوا بها في أشعارهم، مثل الكرم الذي اتصف به أغلبهم. وتحدث المحاضر عن صفات المرأة الجسدية والمعنوية والحسية والشكلية في شعر الصعاليك، موضحاً أن المرأة لدى الشعراء الصعاليك غاية يراد بلوغها، إذ إن الشاعر المحب يصور المرأة كما يراها هو أو كما يحب أن يراها، ويتغزل مدفوعاً بميله الفني في تصويره ما يحس به، فجاء غزل شعر بعض هؤلاء الصعاليك عفيفاً عذرياً، كأحد أبرز عناصر الصورة الجمالية عندهم، حتى أن كثيراً منهم شكا من تمنع بعض الحبيبات، بيد أن صورة المرأة المحبوبة تعددت لدى الشعراء الصعاليك، فهي المفارقة، والراحلة، والصادة، واللائمة، فاتخم شعرهم بشحنات عاطفية شجية لترسم نموذجاً مثالياً للمرأة المحبوبة، حتى أن وصف بعضهم لجمالها الجسدي جاء عبر أشكال فنية، لا يطولها الإسفاف، إلى جانب احتفاء بعضهم بجمالها الخلقي والنفسي، بوصفه أرفع مستويات الجمال والجاذبية الروحية. وبيَّن أن للصعاليك موقفاً من المرأة، ويلحظ في أشعارهم رؤية خاصة حول طبيعة المرأة، حيث إنها تطلب ذا المال، وتحب الرجل الغني، وهذا ما لا يتأتى في حياة الصعلكة. كما أشار إلى أن صفات المرأة التي يتغزل بها الصعالكة صفات خيالية، خاصة أنهم يتغزلون بأمور دقيقة مثل الشفتين، ويصفون بعض ملابسها أحياناً، ولا يمكن أن يصلوا إلى ذلك إلا عبر الخيال. وتحدث المحاضر عن قيمة المرأة لدى الصعاليك، مبيناً أن لها مكانة كبيرة، سواء كحبيبة أو زوجة أو حتى أم، موضحاً أنه في أغلب الأحوال يعامل الصعاليك الزوجة كحبيبة، لكثرة بعدهم عن النساء، وحرمانهم منهن، موضحاً أن الحرمان – كما هو معلوم – روح الحب. وقال: يظهر أن الصعاليك لا يصرحون دائماً بأسماء حبيباتهم، بل ينادونهن غالباً بأسماء آبائهن أو أمهاتهن أو حتى أبنائهن، وقد ينادونهن بأسمائهن مصغرة. وبيَّن أن الصعاليك يحرصون على إبداء الفخر بشجاعتهم أمام محبوباتهم، وأنهم في أحوال كثيرة يعتذرون أيضاً أمامهن خصوصاً لما يفرون من المعارك. كما تناول موقف المرأة في حياة الصعاليك، حيث يكثرن من لومهم على المبالغة في الإنفاق، والشجاعة، إلا أن الصعاليك لم يرضخوا لهذا اللوم. أما فيما يتعلق بالأم، فأوضح كفافي أن أكثر ما يظهره الصعاليك هو الدفاع عنها، وإظهار القدرة على حمايتها، مستدركاً أنه ليس كل الصعاليك كانوا بارين بأمهاتهم. وأشار إلى أنه بالنسبة إلى الأم كانت من الأساليب التي استعملتها القبائل للحط من هؤلاء الصعاليك، وهو ما أدى إلى أن يتحول بعض هؤلاء الشعراء الصعاليك إلى شتم أخوالهم.