في ليلة الأربعاء 16-6-1427ه انتقل إلى رحمة الله تعالى والد الجميع وأبو الضعفاء والفقراء صاحب اليد الندية المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عبدالله بن محمد العليان (أبو عبدالرحمن) وعندما أتكلم عن هذا الوالد رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته وجعل قبره روضة من رياض الجنة. أتكلم عن سيرته وأنا واحد من أبنائه وشهادتي فيه مجروحة فأنا أعتبر نفسي كمن يقيم أستاذه أو ابنا يقيم والده، ولكن من باب اذكروا محاسن موتاكم ولأنني عرفت هذا الوالد رحمة الله منذ نعومة أظفاري عندما كان ساكنا في محافظة عنيزة على حياة والده ووالدته رحمهما الله ثم انتقل إلى الرياض طلبا للرزق والعمل في التجارة فكان له ما أراد. ضرب والدنا الشيخ (أبو عبدالرحمن) أروع الأمثلة في التواضع والبشاشة وحسن الخلق والبساطة وصلة الرحم للبعيد قبل القريب وللفقير قبل الغني وللمقعد قبل الصحيح وزيارة المرضى والاطمئنان على صحتهم، كما يحرص رحمه الله تعالى على حضور الجنائز ومواساة أقارب المتوفى أيا كانوا طالبا بذلك الأجر والمثوبة من الله يدفعه بذلك إيمانه النقي الصافي ونيته الحسنة الصالحة لا يريد بذلك تملقاً ولا نفاقاً ولا وجاهة. أحبه البعيد قبل القريب وارتاح له الصغير قبل الكبير في كل مجلس يضمه، وكان ينفق بيمينه ما لا تعلم عنه شماله وضرب أروع الأمثلة في السخاء والبذل والكرم دون إسراف أو تبذير ممتثلاً بقوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}(29)سورة الإسراء. لا يهنأ له بال أو يرتاح له خاطر إلا إذا جلس على مائدته ضيف سواء في مقره بمدينة الرياض أو من خارجها وليس هناك شخص يعرف هذا الرجل إلا وله دين عليه. وما أيام حي الفوطة بالرياض إلا خير شاهد على ذلك فقد كان رحمه الله عملة نادرة ورمزاً لا يتكرر خاصة في هذا الزمان الذي تتحكم فيه المصالح الشخصية والماديات على علاقات الناس وتغلف العلاقات بغلاف التملق والحاجة والنفاق، وكان القرآن الكريم هو زاده ومصحفه الشريف لا يفارقه والمذياع الخاص به بجانبه فقد ثبت إرساله إلى إذاعتي القرآن الكريم ونداء الإسلام من مكةالمكرمة، ولو قدر (لبلكونة) منزله في حي الفوطة والفاخرية وأخيراً في المحمدية أن تتكلم لشهدت له بذلك وكان شعاره في حياته قوله تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}(77) سورة القصص. وكان يتمتع بالوسطية في كل شيء لا يتهاون في أمور الدين دون غلو ولا تطرف حتى فرض على الجميع بتعامله الفذ والراقي الاحترام والتقدير وأجمع الكل ممن عرفه على محبته ومودته وكان رحمه الله قدوة في كل شيء ونموذجا في التربية وكان الجميع يستأنسون بتواجده معهم سواء في المجالس الخاصة أو المخيمات البرية أو الاستراحات ويتسابق الجميع على تكريمه وتقديره؛ لأن من أرخص ما غلا عند الناس أغلاه الناس وأحبوه ولم أجد أحداً ينفر منه أو يمل من مجلسه وابتسامته لا تفارق محيا وجهه، يأنس بمن يجلس معه أيا كان ويؤنس من معه دون تفرقة أو تمييز. وكان لديه حس عجيب في معرفة الوقت بالساعة والدقيقة والثانية دون الرجوع إلى الساعة وإذا سألك عن الوقت كان كما توقع. وختاماً أريد أن أهمس في أذن كل واحد من أبنائه - وإن كانت واثقا من أنه لا يخفى على كل واحد منهم هذا الشيء، وهم أهل لذلك - أن يستمروا على نهجه وأن يصلوا أصحابه وزملاءه وأقاربه ومعارفه ما أمكن وحسب الظروف، ففي ذلك مبرة بوالدكم وصلة له في قبره، وكذلك رجائي أن يستمر أولاده في الاجتماع في منزله الواقع في حي البديعة في محافظة عنيزة وخاصة في مجلسه الشعبي الذي أنشأه حديثا ولو في إجازة العيدين حسب الإمكانيات والظروف؛ لأن في هذا الاجتماع إعطاء فرصة للجميع للتواصل مع أولاده لأن صلة أولاده صلة به وإحياء لذكره رحمه الله تعالى والشاعر يقول: فاغنم لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني رحم الله أبا عبدالرحمن رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجعل فيما قدم للجميع في موازين حسناته، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. جمعنا الله به في جنات النعيم وأسبغ الله على أولاده من بعده بنين وبنات ثوب الصحة والعافية وطول العمر وجعل فيهم من بعده الخير والبركة والتقوى والصلاح.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.