الحمد لله الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه قال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (سورة الملك آية 1-2). وإنا لله وإنا إليه راجعون وإنا على فراقك أستاذنا ووالد الجميع الشيخ محمد بن أحمد الملحم لمحزنون، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. لقد ودع الدنيا ليلة الجمعة وصلي عليه بعد صلاة الجمعة 1439/1/22ه بجامع الملك عبدالعزيز بالزلفي بعد عمر تجاوز التسعين عاما قضاها في التعليم ونفع الناس، وقضاء حوائجهم والسعي في مصالح البلد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس أنفعهم للناس وقد كانت جنازته مشهودةً امتلاء بهم الجامع مع الفناء الخارجي، كما امتلأت المقبرة بالمشيعين من أهل الزلفي وغيرهم وصلى عليه بالمقبرة خلق كثير. والجميع صغيرهم وكبيرهم تلهج ألسنتهم بالدعاء للفقيد بأن يثبته الله بالقول الثابت ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، وكلاً يعزي الآخر لفراقه ولا تتصور تلك الجموع التي توافدت لمنزله للعزاء من كل مكان والاتصالات لم تنقطع طوال أيام العزاء تدعو وتواسي، وما هذا التأثر من الجميع إلا لأن الفقيد صاحب فضل وخير ومعروف. فكم من مفارق لا يترك فراقه أثرا ولا يثير حزنا ولا تأثيرا، وكم من ميت تتعثر بموته أو غيابه منجزات تنفع الناس ويبقى أثرها للعيان، والمؤمن راضيا وموقنا بالموت لكل حي قال تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } (30) سورة الزمر. فالموت باب وكل الناس داخله لكن الأثر باقي، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، ولذا يهون المصاب والشيخ محمد الملحم الذي سبقنا لدار البقاء له النصيب الكبير من هذه الثلاثة ولا نزكي على الله أحدا. فلقد قضى جل عمره بالتربية والتعليم وخرّج أجيالاً نبلاء تملأ الرحب وغرس فيهم طاعة الله وحب الخير والولاء والطاعة لولاة الأمر، فكم من مسؤول يتولى منصب يدين له بالفضل وله إسهامات وبصمات واضحة للعيان وسعي دؤوب في حاجات الناس يعرفها جلساؤه ومحبوه الذين يعرفون فضله ويقدرون مكانته، وقد كنت على صله وثيقة به وبمجلسه ومعرفة مشاريعه الخيرية وبذله بماله وجاهه ووقته في سبيل كل ما فيه مصلحة ظاهرة. لقد بدأت معرفتي بشيخنا أبا عبدالرحمن وأنا طفل وعمري آنذاك في السابعة عندما التحقت بالمدرسة السعودية التسمية الأولى لها (القدس حاليا). واستمرت معرفتي وعلاقتي به وارتباطي معه ومع أبنائه جميعهم . كان حازما في إدارته للمدرسة وله هيبة من معلميه وطلابه لما يحمله من رأي وحكمة. ومن المواقف التي مرت علي عندما كنت طالبا في الصف الرابع ابتدائي كان معلم مادة الحساب من غير السعوديين وفي الاختبار رسب جميع الطلاب ولمّا علم بالنتيجة واطلع على الأسئلة عرف أن المعلم أحضر أسئلة فوق مستوى الطلاب فأمر بإعادة الاختبار في اليوم الثاني وقام بوضع الأسئلة بنفسه على السبورة وحضر معه المعلم بالفصل حتى انتهى الطلاب ولم يتخلف منهم أحد. رحم الله الشيخ محمد أحمد الملحم رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، فهو علم غاب ولكن بقيت أعماله الخيرية. قد مات قوم وما ماتت مكارمهم * وعاش قوم وهم بالناس أموات وقال الآخر وانما المرء حديث بعده * فكن حديثاً حسناً لمن وعى فلا تجد إلا الثناء الحسن من جميع طبقات المجتمع والناس شهداء الله في أرضه ولا نقول إلا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. ** **