قرأت ما كتبه الأخ د. إبراهيم ناصر الحمود في عدد الجزيرة 12329 وتاريخ 5 جمادى الآخرة 1427ه والذي كان بعنوان (من ينتصر للمستأجر من ظلم المؤجر؟) تحدث فيه الدكتور عن استغلال ملاك العقار لحاجة المستأجر الماسة للمنزل الذي يسكنه بالإيجار نتيجة للطمع ودون عطف أو شفقة لحال ذلك المستأجر المغلوب على أمره.. فأحببت أن أعقب وأعلق على هذه القضية المهمة والحيوية التي تهم الكثير من أفراد المجتمع لا سيما وأن نسبة كبيرة منهم من المستأجرين.. فأقول مستعيناً بالله: هو ليس ظلم فقط بل هو ظلم وقهر وغبن وفوق هذا كله ذل ما بعده ذلك، وكما يقول المثل الشعبي (موت وخراب ديار) إجارات غالية جداً لبيوت متهالكة تتحكم فيها أمزجة شخصية ليس لها رادع من أخلاق أو ضمير وإنسانية أو حتى قانون وسلطة ونظام وفوق هذا كله استغلال وجشع وطمع لإنسان ضعيف ومحتاج كان كل ذنبه أنه لا يملك منزلاً خاصاً يأويه وأولاده من نكبات الزمن ويحفظ ماء وجهه عن الغير وذل الناس..وقد رمى به حظه العاثر في أحضان من لا تجد الرحمة أو الشفقة أو الإنسانية طريقاً إلى قلبه.. ولكن نعود للأمثال الشعبية التي غالباً ما تحكي عن الواقع الاجتماعي المؤلم في بعض الأحيان فمثل يقول: (من أمرك يا فلان؟ قال: من نهاني أصلاً؟). فهذا صحيح وينطبق على ملاك العقار وغيرهم الكثير.. فمالك العقار حر متصرف في عقاره لدى النظام والقانون يسكنك متى شاء ويخرجك متى ما أراد وله كل الحق أن يؤجرك اليوم ويخرجك بعد أسبوع أو شهر وربما بعد يوم.. وليس لك الحق أيها المستأجر المسكين أن تتذمر أو تشتكي وإذا قل عقلك وأخذك الحماس وطغى عليك الحماس والتفاؤل وذهبت لتشتكي فسوف تقابل شكواك برد واحد فقط وبكل برود دون أي تقدير لظروفك الشخصية أو الأسرية أو حتى الاقتصادية وهذا الرد الجاهز هو (يا أخي هذا ملكه وهو حرٌّ فيه) وفي هذا منتهى الظلم والقهر والإذلال.. ألم يعلم ذلك المسؤول بأن هناك عقداً مكتوباً بين المؤجر والمستأجر يفترض أن يحمي الطرفين من أي أضرار تلحق بهما ومن جميع النواحي حتى النفسية منها وهي الأشد ضرراً.. بلى عزيزي القارئ والمسؤول هناك عقد ولكن للأسف الشديد لا يوجد في ذلك العقد أي شرط أو بند لصالح المستأجر أبداً فكل البنود الموجودة في العقد إنما وضعت لصالح المؤجر وليس هناك أي بند يقول بتوقيع الجزاء على المؤجر إذا هو أخرج المستأجر دون ذنب جناه وقبل نهاية مدة العقد.. ناهيك على أن تلك العقود كتبت بمزاج شخصي فقط، أي يكتب فيها ما يشاء صاحب العقار أو صاحب المكتب العقاري الذي هو عون وسند قوي لصاحب الملك على المستأجر للأسف.. والدليل أنك تلاحظ أن بنود هذا العقد تختلف عن بنود ذلك العقد ولكنها في النهاية جميعها تصب في مصلحة المؤجر.. وكان من المفترض أن تكون تلك العقود وبنودها وشروطها موحدة مكتوبة من قبل جهة رسمية متضمنة شروطاً لصالح الاثنين وفيها جزاءات وعقوبات على الاثنين أيضاً إذا ما أخل أحدهم بأي شرط أو أحد البنود.. ولكن للأسف هذا ليس له وجود أبداً بل هناك حرية كبيرة للمؤجر وقيود كثيرة على المستأجر.. فعلى الأقل وإنصافاً للمستأجر كان من المفترض أن يكون هناك بند يقول إن للمستأجر الحق أن يبرم عقداً لمدة ثلاث سنوات على الأقل لا يخرج خلالها أبداً إلا إذا اقترف أمراً عظيماً ترى الجهة المسؤولة وجوب إخراجه من المنزل، أما غير ذلك فله الحق أن يخرج أو يستمر.. صدقوني المستأجر لا يريد أكثر من ذلك وهذا البند سيريحه كثيراً فمعظم المشاكل بين المؤجر والمستأجر تتركز حول هذه النقطة تحديداً.. ولو حلّت لانحلت الكثير من المشاكل.. فمن الظلم أن يجد المستأجر نفسه وأسرته بين يوم وليلة في الشارع بسبب مزاجية المؤجر فقط.. شروط عجيبة وغريبة منها ما هو مكتوب ومنها ما يقال لك شخصياً.. وهي الأغرب والأمر من الشروط المكتوبة لأنها غير مسموعة أو مرئية ولا يستطيع أحد معرفتها سوى المؤجر وصاحب مكتب العقار والمستأجر المسكين وأحياناً لا يجد المستأجر القبول بها على طريقة مكره أخاك لا بطل لحاجته الماسة.. وأستميحكم العذر أعزائي القراء لكي أقول لكم بعض الشروط غير المكتوبة. أما المكتوبة فمعظمكم قد اطلع عليها ومن لم يتيسر له ذلك فما عليه سوى قراءة أي نموذج لعقد إيجار وسيعرف بأن المستأجر مظلوم.. والشروط التي ستقرؤونها ربما لا يصدقها البعض وسيندهش منها البعض والبعض الآخر قد يتهمني بالمبالغة ولكنها وبكل أسف الحقيقة المرة.. ولا يعرفها إلا من اكتوى بنارها. فالجرح لا يؤلم إلا صاحبه أليس كذلك؟! يقول أحدهم للمستأجر: ليس لدي مانع أن أؤجرك منزلي شريطة أن تكون أنت وزوجتك وطفل أو طفلان فقط!! يا الله العجب فهذا الرجل يريد أن يحدد علاقتك حتى بزوجتك ويريد أن ينظم أو يحدد نسلك ويحرمك من مباهج الحياة ويريد منك أن تقيد أطفالك.. وحتى الدين الإسلامي الذي نظم حياة البشر لا يأمر بذلك.آخر يقول للمستأجر: إذا كان لديك تلفزيون أو دش فلن أؤجرك وكأن التلفزيون جرم عظيم وذنب لا يغتفر على الرغم من عدم خلو السواد الأعظم من المنازل من هذا الجهاز حتى بيت المشترط. ثالث يقول للمستأجر: إذا كان ضيوفك كثير ومناسباتك كثير فلا أستطيع أن أؤجرك.. فهو يريد من المستأجر أن يقطع علاقاته بالناس وأهله وأقربائه.. وينسف صلة الأرحام. هل هذا يجوز؟! وهناك شروط كثيرة يفرضها المؤجرون وعسى أن يتقوا الله في المستأجرين عبدالرحمن عقيل حمود المساوي إخصائي اجتماعي