حين يأتي الصيف يتبادر إلى الذهن موسم الإجازة الكبير، ووقت الفراغ الطويل للملل الذي يصيب البعض، الذي يقابل الملل السابق في العمل طوال العام، وما أعجب الإنسان إن استمر في العمل ملَّ وإن أخذ فراغاً طويلاً ملَّ. وكل البيوت مليئة بالشباب الذين ما ان تنقضي الدراسة ويحل الصيف حتى تجد من لديهم شباب في بيوتهم يملون من اضطراب الأوقات وتبدل الليل بالنهار وانقلاب الحياة رأساً على عقب بسبب السهر ليلاً والنوم نهاراً. وهنا أتذكر المراكز الصيفية ودورها الكبير في الحفاظ على الشباب في الصيف والجمع بين التسلية والترويح، والتربية والتدريب، والتعويد على النظام الجاد، والإنتاج نهاراً والراحة ليلاً رغم قسوة الحر. وقد كان لي مشاركات في المراكز الصيفية حين كنت في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية وقد تفاوتت تلك المشاركة والفائدة منها، ولعلي أذكر منها ما يفيد. ففي المتوسطة والثانوية والجامعية قدر لي المشاركة في مراكز صيفية مختلفة فاستفدت منها فائدة عظيمة لا أزال - ولله الحمد - أجني بعض ثمارها في تصرفاتي الخاصة، ويأتي على رأس ذلك الاهتمام بالوقت وتقديره ومحاولة العمل الجاد المتنج ولعلي استعرض بعض ما هو عالق في الذهن من تلك الأيام، كانت لدينا برامج للفن والرسم والإنتاج المرتبط به من نجارة أو نحت في الفترة الصباحية، إضافة إلى بعض الأنشطة الرياضية المغلقة في الصالات المناسبة. أما بعد العصر فكان زمن الرياضة النشطة، كرة القدم والطائرة وغيرها التي كانت تأخذ منا حماساً وطاقة ومنافسة قوية، وتشجيعاً من الحضور. وفي المساء يأتي نشاط النادي اليومي الذي كان موضع منافسة بين فرق المركز في المسرحيات والبرامج الفكاهية والمسابقات والترويح، فكانت مجال إبداع في الأفكار والتنفيذ، من المُعد والمخرج، والممثل والمقدم. أما الرحلات التي كانت إلى أماكن قريبة ومدن مجاورة في نفس المنطقة فقد عرفتنا على أرجاء وطننا الحبيب، بل عرفتنا أحياناً على أجزاء من نفس المنطقة التي كنا فيها وكنا لا نعرفها كما ينبغي. كما أنني أتذكر الحفل الختامي للمركز الذي كان مثالاً رائعاً للإنتاج الفني الذي تبرز فيه مواهب الخط والرسم والنجارة والنحت والتشكيل. أما الحفل الفني الخطابي الذي يحضره أولياء الأمور وبعض المسؤولين التعليميين، فهو محل تدريب مباشر للخطابة والتمثيل وفن الإلقاء ومحل منافسة وبروز للمواهب، يأخذ عدة أيام من التفكير والإعداد والتدريب. ولا أزال أتذكر العديد من المواقف التي عشناها في شبابنا مع زملائنا الذين رأيت العديد منهم - ولله الحمد - أخذوا مراكز مرموقة في خدمة الوطن، أذكر منهم الطبيب والمهندس ورجل الأعمال والمحامي والأستاذ الجامعي لم تزدهم تلك المراكز إلا جدية وإنتاجاً، وخدمة للوطن والأهل، ونجاحاً في الحياة والمراكز الصيفية في بلادنا - ولله الحمد - تعد راقية ومنضبطة مع مثيلاتها في مختلف أنحاء العالم، التي تعد نشاطاً عالمياً في جميع الدول بمناسبة الصيف، إلا أننا - ولله الحمد - لنا ما يميزنا عن البقية.. أليس كذلك؟!