ما الذي يحدث في الصومال منذ سنوات طوال دون ادنى حراك دولي أو إقليمي إيجابي.. وبدون أي مبادرات إنسانية سياسية ودبلوماسية فاعلة؟ إلى متى يستمر مسلسل العنف الدموي وعدم الاستقرار السياسي والفوضى السياسية في بلد فقير معدم تنعدم فيه معظم مقومات الحياة الإنسانية الأساسية؟! من الرابح ومن الخاسر في تدهور الأوضاع الإنسانية الصومالية من جميع جوانبها بفعل العنف المتبادل؟ هل يمكن إنقاذ الصومال وشعب الصومال من مصائب الميليشيات الصومالية المتقاتلة على السلطة؟ ما الذي يمكن أن يتمخض مستقبلاً عن تداعيات الوضع الصومالي السلبي خصوصاً على الدول المجاورة للصومال؟. لاشك أن الإجابات عن الأسئلة لا زالت في حكم المجهول لا بل في مصير التكهن المبني على نوع ما من أنواع الشعوذة إن لم يكن الهرطقة السياسية، ليس بفعل غموض الواقع السياسي والاجتماعي الصومالي فحسب، وليس بفضل فشل النخب السياسية الصومالية في التوافق على ترتيبات الحاضر السياسية بل وعدم قدرتها على رؤية المستقبل، وإنما لغياب الفكر السياسي الصومالي الحكيم الواعي بمخاطر الاقتتال الأعمى ناهيك عن ضياع الوعي الوطني المفترض فيه أن يتوجه فقط لعمل ما فيه مصلحة الصومال وشعب الصومال عامة وليس للغايات الفئوية الخاصة. هذه معضلة دولة ليس لها من مقومات الدولة إلا المسمى والاقليم المتفق عليه من قبل المجتمع الاقليمي والدولي، وهذا واقع دولة تفتقر حتى الآن لمقومات استقرار الدول الأساسية، حيث لا زالت مرحلة بناء تكوين الدولة وصهرها في بدايتها الاولى، ويعود السبب بالدرجة الأولى إلى معضلة السلطة وحركة الصراع المستميت عليها. بيد أن الصومال جزء لا يتجزأ من القارة الافريقية وبالتالي فإن مشكلة الصومال جزء من المشكلة الافريقية، فإفريقية من القارات التي تذخر بمشاكل عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بل وحتى مخاطر التدهور الصحي نظرا لانتشار الامراض المعدية والقاتلة وفي مقدمتها مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) فالقارة الإفريقية السوداء غدت قارة منسية ومنتهية منذ منتصف القرن الماضي تحديداً منذ أن انصرفت عنها مصالح الدول الكبرى فأدخلت بفعل انعدام المصالح الدولية الحيوية أو الاستراتيجية في طي النسيان وفي غياهب ظلام الجهل والفقر والجوع والمرض. لهذا تعتبر إفريقية من القارات التي سبقها قطار الزمن بقرون طويلة وتخطتها مسيرة التمدن ومقومات المدنية الإنسانية الحديثة بمدة لا تقل عن ستمائة عام وهو الفرق بين الحياة الإنسانية المتقدمة ونقيضها البدائية، وبفضل الجهل والتخلف ليس من المستبعد إذن أن تغدو الصومال مرتعاً خصباً وملاذاً آمناً لكل من خرج او يخرج على القانون من تنظيمات المافيا الإجرامية العابرة للقارات ورفيقتها من التنظيمات الإرهابية. عودة إلى الماضي تؤكد أن التجارب البريطانية والفرنسية والإيطالية وغيرها من التجارب الاوروبية في القارة الافريقية كانت تجارب ماض لم يعد له واقع ولا وجود في الحاضر بعد انجلاء مصالح الاستعمار وتوجهات الأسواق التجارية والبشرية نظرا لفقر القارة، وتنسحب هذه الحقيقة على المستقبل نظراً لفقر القارة خصوصا من المواد الخام الاستراتيجية للحياة الصناعية وفي مقدمتها النفط ولكون القارة تضج بمشاكل الإنسان والإنسانية ومخاطرها وتواصل مسارها التراجعي الى الوراء ابتعدت عنها المصالح العامة والخاصة وبالتالي أبعدت عن العيون والأفكار الغربية والعالمية. شبه انعدام المصالح الغربية والعالمية في إفريقية وانهماك الدول الكبرى في معالجة الصراعات العالمية والإقليمية الملتهبة منذ عهد الحرب الباردة وحتى العهد الحديث، ساهمت في تخلف القارة (ونعني بذلك جزءا كبيرا من القارة خصوصاً الجزء الأسود منها) عن الركب الثقافي والحضاري والعلمي والتقني العالمي. الحقائق هذه على الرغم من وصولها إلى صانعي القرارات السياسية في العالم الغربي وفي الدول المجاورة للصومال، إلا أن إرادة التدخل الدولي في الصومال تم استبعادها بالكامل بعد المحاولة الدولية الفاشلة للتدخل في الصومال بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية في نهاية القرن الماضي وانتهت بنهاية دموية مفجعة. بمعنى أن حركة السياسة الدولية لم تعد تفكر فيما يحدث في الصومال بعد أن رفضت الميليشيات الصومالية التدخل الدولي وحاربته بعنف. لنفترض جدلاً أن ما حدث مسبقاً للتدخل الدولي في الصومال من فشل ذريع يعد تجربة دولية عسكرية مريرة، ولكن هل يعني ذلك عزوف المجتمع الدولي عن إنقاذ شعب الصومال من مخاطر التحرك العنيف نحو أقصى اليمين العقدي المتطرف فيما لو استمر الحال الإنساني المتدهور من وضع سيئ لأسوأ؟ ما يحدث في الصومال حاليا من حركة سياسية يمينية متطرفة مدعاة لوقفة إقليمية إفريقية بالدرجة الاولى لكن لابد وأن تحظى بدعم ومساندة دولية. ولهذا تقع مسؤولية عملية إنقاذ الصومال بالكامل على ما يسمى بالاتحاد الإفريقي الذي لابد أن يتحرك بفاعلية فيما لو أراد أن تتجنب دوله مخاطر انتشار ومن ثم وصول أمراض الصومال إليها، فنظرية الدومينو هنا من النظريات التي يغدو حدوثها امراً حتمياً بل ولا مفر منه. نتساءل أخيراً: هل يمكن أن تتفتق عقول الساسة في المجتمعين الدولي والإفريقي عن حل مرض للمعضلة الصومالية يراعي الحد الادنى من المطالب ويضع في الاعتبار مصالح جميع الاطراف؟ هل يمكن أن تتدخل الدول الافريقية (خصوصاً السوداء) عسكرياً بدعم ومعونات دولية مادية لمنع وقوع الأسوأ ولإصلاح ما يمكن إصلاحه في الصومال؟ مشكلة الصومال تكمن في مشكلة السياسة ذاتها ومعضلتها سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، ومع هذا ورغما عنه لا زال الوضع السياسي والإنساني في الصومال في حاجة ماسة لحركة السياسة الدولية والإقليمية الإيجابية كي يمكن أن تجلي عن شعب الصومال لعنة السياسة المحلية.