كان يا ما كان.. في حديث الزمان.. كان أن شدتني لافتة بعنوان.. الكون والإنسان.. فتبعت قدميّ وقلبي الذي تحركت فيه غريزة الفضول لاقتحام هذا المكان الجديد واكتشافه... فدخلت هذا العالم المجهول الغني بالمعرفة.. هذا العالم الخيالي (المشبع بالواقع!!) لأرى أشياءً قديمة منذ نشأة الكون معروضة بطريقة مشوقة وبتقنية عالية تشد وتجذب المشاهد وتدهش حواسه الخمس.. ففي بداية رحلتي شاهدت مراحل نشأة الكون وكيفية تنسيق الخالق لأدق الأمور كحركة القارات وإبداعه سبحانه في خلق الأجرام السماوية كما أنني اطلعت على نظرية الزحف القاري وشاهدت الأرض الديناميكية والدورة الصخرية وتمتعت بالتنقل بين حقب زمنية مختلفة بداية من حقب الحياة القديمة ومن ثم الوسطى وتليها الحديثة مروراً بحقبة ما قبل الكمبري وكل فترة من تلك الفترات كان لها شرح مختصر وافٍ.. كما أنني عشت العصر الجاهلي وعرفت معلومات قيمة عنه كالحج مثلاً وديانات العرب قبل الإسلام ومن ثم شرح وافٍ وشافٍ عن ديني الحنيف (الإسلام) فكانت هذه اللحظات هي الأثمن حين عرفت معلومات ثرة وغنية عن ديني ووقفت عند حقائق ودقائق جديدة عن خير الخلق وأشرفهم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً بداية من نشأته ورحلاته وزواجه من السيدة خديجة وحادثة الحجر الأسود ثم البعثة النبوية المباركة وقصة الإسراء والمعراج وعام الحزن وبيعة العقبة الأولى ومحاولة قتله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصولاً إلى الهجرة إلى المدينةالمنورة.. فكانت هذه أبرز الإضاءات وأهم المحطات في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.. كما اطلعت أيضاً على مراحل انتشار الإسلام في الجزيرة العربية ومن ثم الخلافة الأموية ووقعت عيناي على آثار العمارة الإسلامية في العصر العباسي وسافرت إلى العصر العثماني وأشبعت عيني من أجمل مقتنيات ذلك العصر.. والمحطة التالية كانت الدولة الأيوبية الحافلة بالتاريخ والآثار الثمينة. وبعد تلك العصور التاريخية الرائعة كانت هناك الدولة السعودية الأولى وتليها الدولة السعودية الثانية ومن ثم توحيد المملكة على يد القائد الفذ (صقر الجزيرة) الملك عبدالعزيز.. ومن ثم تطور المملكة في اكتشاف النفط وتصديره وصولاً إلى توسعة الحرمين الشريفين وختمت رحلتي بأجمل القطع المتنوعة ما بين خزفيات ونحاسيات ونسيج وسجاد يرجع تاريخه إلى آلاف السنين. هذه كانت أبرز العناوين في رحلتي وقصتي التي تعجز الكلمات وتعيا المفردات عن سردها ووصف شعوري الصاخب المزدحم بالسعادة والاكتشاف والفخر. هذه كانت رحلتي مع مدرستي (مدارس التربية الإسلامية) إلى المتحف الوطني الذي كان أشبه بكتاب أقلب صفحاته وكأني طفلة مندهشة من سحر الأحداث.. فكانت لدي رغبة صادقة وشغف جارف بأن اكتشف محتواه واستنشق عبق العصور الغابرة بين دفتيه وأتأمل كيانه الرشيق الجميل. هذه الرحلة أو هذا الكتاب سوف يبقى محفوراً في ذاكرتي على مدى السنين إذ كان كتاباً رائعاً كالمسك قليله كثير ونشره يفوق كل عبير.. فاستطاعت تلك الصفحات بكل مهارة وبراعة عرض التاريخ في أشكاله وأبعاده المختلفة بطريقة تشد القارئ أو المشاهد أو ربما المسافر بين السطور.. فقد أحاط وألمَّ بتاريخنا أقصى إلمام وقدمه بأبهى صورة. وفي هذا المتحف كانت هناك خطوة جريئة وجديدة ألا وهي عرض مقتنيات متحف اللوفر في باريس حيث عقدت اتفاقية بين الهيئة العليا للسياحة ومتحف اللوفر.. وقد تم إبرام عقد العرض للقطع لمدة شهرين.. وتلك الآثار تم اختيارها بعناية.. وكان لكل قطعة تأمين بقيمة (18) مليون يورو.. والجدير بالذكر أن المملكة هي أول دولة تعرض تلك المقتنيات على مستوى الشرق الأوسط.. ولا غرابةَ أن تستأثر بلادنا بهذا الاهتمام وتحظى بهذه الحفاوة من العالم الغربي حين تشرفت باقتناء هذه الآثار الإسلامية الثمينة.. فهي مهد الإسلام وموطن العروبة الأول وهي رمز الأصالة الحافل بالمآثر والمفاخر والأمجاد. فهذا المتحف هو دعوة مفتوحة لكل إنسان مسلم عربي ليشاهد تاريخ ديننا الإسلامي الحنيف.. إذ لولا هذه الخطوة الشجاعة بإنشاء هذا المتحف لضاع وانطمس الكثير من معالم تاريخنا وفقدت الأمة ما يربطها بماضيها ويصلها بسلفها.. فهذا المكان يعد الحلقة التي نصل بها ما انقطع من تاريخنا العظيم.. فهنيئاً لكِ مملكتي على هذه التجربة الناجحة وهذه الرؤية التي تستحق أن نراقبها عن كثب ونتأملها عن قرب.. وشكراً لك يا مليكنا الحبيب على إحياء تراثنا الإسلامي الخالد وتاريخنا السعودي الثر. والشكر موصول لأمير الرياض المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي جعل من عاصمتنا الرياض الحبيبة درة المدائن العربية ومنبر الثقافة والإبداع وقلب العرب النابض بالحيوية والنشاط والنماء والازدهار.