حددت الأنظمة الوظيفية سواء ما يخص الوظائف الحكومية أو وظائف القطاع الأهلي سناً معينة للالتحاق بالخدمة وسناً معينة أخرى لانتهائها، وهو ما يعرف بالإحالة إلى التقاعد أو إلى المعاش كما هو لدى إخواننا في مصر. وسن إحالة الموظفين العموميين الذين يعملون في الأجهزة الحكومية من وزارات ومصالح وهيئات عامة أو موظفي القطاع الخاص الذين يعملون في الشركات أو المؤسسات الخاصة إلى التقاعد ليس واحداً على المستوى الدولي، بل إن كل دولة تحدد السن اللازمة لإحالة موظفيها إلى التقاعد بما يتلاءم مع وضعها الاجتماعي والاقتصادي والسكاني والثقافي، فبعض الدول تلجأ إلى خفض سن الإحالة إلى التقاعد عندما يكون لديها مشكلة في التوظيف ناتجة عن كثافة عدد السكان وتزايد أعداد المؤهلين والخريجين؛ مما يسبب زيادة الطلب على الوظائف العامة، فتجد هذه الدولة ملزمة بالتصدي لهذه المشكلة، وهي بالفعل مشكلة كأداء لكون البطالة من أسوأ ما تواجهه المجتمعات التي قد يترتب عليها آثار سلبية، وخصوصاً إذا حصلت البطالة لأشخاص لا يزالون في مقتبل العمر وقد أمضوا مدة طويلة في الدراسة إلى أن تخرجوا في المعاهد أو الجامعات، وكان أمل كل واحد منهم بناء المستقبل وتكوين الأسرة. وبعض الدول تلجأ إلى رفع سن التقاعد إما بسبب قلة الكفاءات وندرة اليد العاملة، وإما بسبب تقدم الوضع الصحي وفي نفس الوقت تعدد وتنوع فرص العمل بسبب تطورها الاقتصادي الذي لا تعتمد فيه فرص العمل على العمل الحكومي بل يوجد لديها فرص ربما تفوق الفرص في الجهاز الحكومي في الشركات والمصانع ونحوها من مؤسسات القطاع الخاص. وفي بلادنا تم تحديد (60) سنة لتقاعد الموظفين منذ وقت مبكر، وقد أثبتت التجربة مناسبة هذه السن للتقاعد بالنسبة لعدد السكان في المملكة، كما أن توفر وتطور الخدمات الصحية يساعد على ذلك، إضافة إلى أن بلوغ الموظف هذه السن يتزامن مع بلوغه الحد الأقصى لاستحقاق المعاش التقاعدي؛ إذ يعد الموظف بعد هذه المدة الطويلة من الخدمة (40) سنة محظوظاً، وينبغي أن يكون سعيداً بذلك وألا يأسف بسبب إحالته إلى التقاعد؛ لأن التقاعد سوف يفتح له آفاقاً جديدة سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى العام، بل تجد البعض من هؤلاء لا ينتظر حتى بلوغه سن التقاعد فتراه يلجأ إلى ما يعرف بالإحالة إلى التقاعد المبكر الذي يتحقق بعد مضي مدة (20) سنة من الخدمة؛ لاعتقادهم أنهم بهذه المدة ساهموا في خدمة بلادهم في مجال العمل الحكومي، وأنه حان الأوان لخدمة بلادهم في مجال آخر، وفي نفس الوقت سوف تعود عليهم الإحالة إلى التقاعد المبكر بالعديد من المزايا، فالموظف المحال إلى التقاعد المبكر سوف يجمع بين معاش التقاعد (نصف راتبه) على الأقل والمقابل المادي الذي سيحصل عليه عند عمله في إحدى مؤسسات القطاع الخاص أو عمله على حسابه الخاص، إضافة إلى أن تغير مجال العمل فيه نوع من التجديد سوف ينعكس إيجابياً على نفسية وصحة الموظف وعلى برنامج حياته اليومي والسنوي، كما أن فيه خدمة لبلاده من زاوية أخرى، وهي تضحيته من أجل أبناء بلاده الذين يرغبون في الالتحاق بالخدمة الحكومية. وبخلاف ذلك يوجد من يعتقد أن التقاعد نهاية كل شيء؛ إذ سيؤدي التقاعد إلى فقد المركز الوظيفي والوضع الاجتماعي والعلاقات وتقدير الناس ونحو ذلك، ولذلك يسعى إلى البقاء حتى ولو بتمديد خدماته دون مقابل مادي أو بالتعاقد على وضع وظيفي يقل كثيراً عن أهمية وطبيعة عمله السابق. ليس هناك أدنى شك في أن الصواب في هذا الأمر مع الجانب الأول الذي يستقبل قرار التقاعد بصدر رحب؛ فالتقاعد هو سنة الحياة الوظيفية، فكل موظف كبر مركزه أو صغر سيحال إلى التقاعد يوماً، وينبغي ألا يكون التقاعد شبحاً، بل إنه وسام شرف ومدخل جديد وبداية سارة لحياة جديدة؛ فالتقاعد فيه فوائد ومزايا للموظف وللمصلحة العامة معاً. هذا، وسوف نورد في النقاط التالية مزايا التقاعد للموظف وللعمل، فالموظف سوف يعود عليه التقاعد بالآتي: - يعد التقاعد فرصة للموظف للراحة والتأمل بعد هذه السنين الطويلة من الخدمة التي كان فكره فيها منصرفاً لعمله حضوراً وأداء. - في التقاعد فرصة للترابط الأسري ورعاية الأولاد ومتابعة دراستهم ورعاية شؤونه الخاصة بل والاهتمام بصحته. - في تقاعد الموظف وتفرغه فرصة للتقرب من الله عز جل وزيادة أعماله الصالحة والتعويض عما فاته من ذلك في السنين الماضية وصلة أرحامه وبر والديه. - سيمكِّن التقاعد الموظف من تحديد أصدقائه الذين يأنس إليهم ويعتمد عليهم والذين لم تكن صداقتهم له لمصالح خاصة بهم بحكم مركزه أو عمله الوظيفي. - يعد التقاعد لمن رغب مواصلة العمل نهاية مرحلة من العمل وبداية مرحلة جديدة في القطاع الخاص إما بالعمل بمقابل راتب في إحدى مؤسسات القطاع الخاص وإما بقيامه بإنشاء منشأة خاصة به؛ إذ إن فرص العمل في القطاع الأهلي كثيرة جداً، ويتضح ذلك من مجالات العمل المربحة التي تدار من الإخوة المقيمين، وسوف يساهم بذلك في مجال سعودة الوظائف الأهلية. أما مزايا تقاعد الموظفين على العمل فمتعددة، ومن ذلك: - في تقاعد الموظفين بعد شغلهم مراكزهم مدداً طويلة فرصة للتغيير والتجديد في إدارة المراكز من أشخاص يتسمون بالحيوية والنشاط والتأهيل والكفاءة. - إشغال وظائف المتقاعدين بأشخاص جدد سيؤدي إلى تطوير أساليب إدارة هذه الوظائف؛ مما ينعكس إيجاباً على الخدمات التي تقوم هذه الوظائف بتقديمها للمواطنين. - تقاعد الموظف سيؤدي إلى توفير العديد من الفرص الوظيفية المناسبة لترقية المستحقين أو تعيين الخريجين أو كليهما معاً.