تودع الأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص مع بداية شهر رجب من كل عام الكثير من الموظفين المتقاعدين الذين أمضوا زهرة أعمارهم في خدمة وطنهم الغالي، فقد حددت الأنظمة الوظيفية المتعلقة بالوظائف الحكومية أو وظائف القطاع الأهلي سناً معينةً للالتحاق بالخدمة وسناً معينةً أخرى لانتهائها وهو ما يعرف بالإحالة على التقاعد. وتحديد سن إحالة الموظفين العموميين الذين يعملون في الأجهزة الحكومية من وزارات ومصالح وهيئات عامة أو موظفي القطاع الخاص الذين يعملون في الشركات أو المؤسسات الخاصة على التقاعد ليس موحداً على المستوى الدولي، بل إن كل دولة تحدد السن اللازمة لإحالة موظفيها للتقاعد بما يتلاءم مع وضعها الاجتماعي والاقتصادي والسكاني والثقافي، فبعض الدول تلجأ إلى خفض سن الإحالة للتقاعد عندما يكون لديها مشكلة في التوظيف ناتجة عن كثافة عدد السكان وتزايد أعداد المؤهلين والخريجين مما يسبب زيادة الطلب على الوظائف العامة، فتجد هذه الدول ملزمة بالتصدي لهذه المشكلة وهي بالفعل مشكلة كأداء لكون البطالة من أسوأ ما تواجهه المجتمعات التي قد يترتب عليها آثار سلبية خاصة إذا وقعت البطالة على أشخاص لا يزالون في مقتبل العمر وقد أمضوا مدة طويلة في الدراسة إلى أن تخرجوا من المعاهد أو الجامعات وكان أمل كل واحد منهم الحصول على الوظيفة لتساعده على بناء المستقبل وتكوين الأسرة، وبعض الدول تلجأ إلى رفع سن التقاعد إما بسبب قلة الكفاءات وندرة اليد العاملة أو تقدم الوضع الصحي وتعدد وتنوع فرص العمل بسبب تطورها الاقتصادي الذي لا تنحصر فيه فرص العمل في الجهاز الحكومي، بل يوجد لديها فرص عمل أخرى في الشركات والمصانع ونحوها من مؤسسات القطاع الخاص. وفي بلادنا تم تحديد سن (60) سنة لتقاعد الموظفين منذ وقت مبكر وقد أثبتت التجربة مناسبة هذه السن للتقاعد بالنسبة لعدد السكان في المملكة، كما أن توفر وتطور الخدمات الصحية يساعد على ذلك، إضافة إلى أن بلوغ الموظف هذه السن يتزامن في الغالب مع بلوغه الحد الأقصى لاستحقاق المعاش التقاعدي إذ يعد الموظف بعد هذه المدة الطويلة من الخدمة (40) سنة محظوظاً وينبغي أن يكون سعيداً بذلك وألا يأسف بسبب إحالته للتقاعد لأن التقاعد سوف يفتح له آفاقاً جديدة سواء على المستوى الشخصي أو المستوى العام، بل تجد البعض من هؤلاء لا ينتظر حتى بلوغه سن التقاعد فتراه يلجأ إلى ما يعرف بالإحالة على التقاعد المبكر الذي يتحقق بعد مضي مدة (20) سنة من الخدمة لاعتقادهم بأنهم ساهموا في خدمة بلادهم في مجال العمل الحكومي وأنه حان الأوان لخدمة بلادهم في مجال آخر، وفي نفس الوقت سوف تعود إليهم الإحالة للتقاعد المبكر بالعديد من المزايا، فالموظف المحال للتقاعد المبكر سوف يجمع بين معاش التقاعد والمقابل المادي الذي سوف يحصل عليه عند عمله في إحدى مؤسسات القطاع الخاص أو لعمله على حسابه الخاص، إضافة إلى أن تغير مجال العمل فيه نوع من التجديد سوف ينعكس إيجابياً على معنوية وصحة الموظف وعلى برنامج حياته اليومي والسنوي، كما أن فيه خدمة لبلاده من زاوية أخرى وهي تضحيته من أجل: * إن في تقاعد الموظف وتفرغه فرصة للتقرب من الله عزّ وجلّ وزيادة أعماله الصالحة والتعويض عمّا فاته من ذلك في السنين الماضية وصلة أرحامه وبر والديه. * سيمكن التقاعد الموظف من تحديد أصدقائه الذين يأنس إليهم ويعتمد عليهم والذين لم تكن صداقتهم به لمصالح خاصة بحكم مركزه أو عمله الوظيفي. * يعد التقاعد لمن يرغب مواصلة العمل نهاية مرحلة من العمل وبداية مرحلة جديدة في القطاع الخاص إما بالعمل في مقابل راتب في إحدى مؤسسات القطاع الخاص أو بقيامه بإنشاء منشأة خاصة به، إذ إن فرص العمل في القطاع الأهلي كثيرة جدا ويتضح ذلك من مجالات العمل المربحة التي تدار من الأخوة المقيمين وسوف يساهم بذلك في مجال سعودة الوظائف الأهلية. أما مزايا تقاعد الموظفين على العمل فمتعددة ومن ذلك ما يلي: * إن في تقاعد الموظفين بعد شغلهم مراكزهم مددا طويلة فرصة للتغيير والتجديد في إدارة المراكز من أشخاص يتسمون بالحيوية والنشاط والتأهيل والكفاءة. * إن في إشغال وظائف المتقاعدين بأشخاص جدد سيؤدي إلى تطوير أساليب إدارة هذه الوظائف مما ينعكس إيجابياً على الخدمات التي تقوم هذه الوظائف بتقديمها للمواطنين. * إن تقاعد الموظف سيؤدي إلى توفير العديد من الفرص الوظيفية المناسبة لترقية المستحقين أو تعيين الخريجين أو كليهما معاً.