في قصة ساخرة للكاتب الراحل الصادق النيهوم تعود إلى أوائل السبعينات يتحدث فيها عن كيفية اصطحاب جدته الحاجة (أمُدّللة) لعلاجها في استكهولم، حيث كان يواصل دراسته الجامعية، إذ إنها حينما وقفت أمام الموظف الأجنبي تأمَّل جواز سفرها وقال لا خلاف على ذلك ولكن من يثبت لي أن هذه المرأة المستترة والمتنقبة هي صاحبة هذا الجواز، وحينما ترجم النيهوم لها نوايا الموظف وأنه لا حلّ لها سوى أن تكشف وجهها المصون له ليطابق الصورة مع الحقيقة يقول هنا أزبدت وأرعدت وهدَّدت وأوعدت وأبت أن تكشف وجهها (الصبوح) للموظف النصراني (!!) وقد وقعت آنذاك في حيص بيص فمن جهة أيقنت أنني لن أقنع الموظف بأن هذا الشيء الذي يتحرَّك في هذه الثياب السوداء هو الحاجة (أمُدّللة) ما غيرها. وكنت أفكر من جهة أخرى كيف أقنعها أن تكشف وجهها وساعدها البض (للدختر) الذي سيعالجها في المستشفى، وهنا خطرت ببالي فكرة عربية للتهرّب من الأنظمة الغربية الصارمة لذا قررت أن أكون بالغ اللطافة مع الموظفة الشقراء التي (تُقعي) على كاونتر آخر كالبومة بجانب كاونتر ذلك (الخنزير) كما نعتته الحاجة (أمُدّللة) وقد نجحت الخطة وتلطّفت الموظفة الشقراء برؤية وجه الحاجة (أمُدّللة) وهكذا مضى الأمر. أقول تذكّرت هذا الموقف وأنا أشاهد حكومتنا الرشيدة تصدر وتجدِّد العديد من الأنظمة التي عفا عليها الزمن مثل قانون العمل والعمال وقانون الهيئات ونظامها الذي يتيح للمواطن المشاركة في إدارة المجتمع وتنظيم العمل التطوعي وغير ذلك، كما صدر مسبقاً قانون المحاماة، تلك القرارات التي نحلم بأن تجتث الروتين من جذوره وتلقيه إلى زبالة التاريخ. أقول في هذا الوقت الذي أصبح فيه الكون قرية كونية صغيرة لم يزل بيننا من يسألك هكذا أحضر لي إثبات أنك حيّ (!!) نحاول أن نضحك ونقول له هذه بطاقتي وهذه بطاقة العمل أو التقاعد ولكن لا أحد يصغي لك فأنت إذا لم تجدّد الورقة التي تثبت ديمومتك في الحياة فإنهم هناك قد يقطعون راتبك حتى تثبت لهم من خلال تلك الورقة أنك أنت أنت الذي تقف أمامهم بلحمك وشحمك. وبما أنه ليس بمقدور أحد أن يثبت استمرارية حياتك ورقياً في انتفاء المعاينة الشخصية فإننا نقترح أن تأتي بورقة المقبرة يقول فيها حفَّار القبور (المذكور لم يُدفن لدينا بعد).