أتحاور دائماً مع الصديق التربوي الأستاذ الدكتور - علي الراشد حول هموم الوطن التعليمية، وفي إحدى جلساتنا كان السؤال المثار هو: كيف يمكن أن ننطلق لنحقق إنجازات تنموية لا تقل عن تلك التي حققتها دول تطورت مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا؟ اتفقنا على أن التطوير الذي ننشده لن يتحقق بدون تعليم نوعي راقٍ ومميز في مضامينه وأساليبه وفاعليته، ولكن كيف نصل إلى هذا النمط الواعد من التعليم؟ لكي نصل إلى نظام تعليمي مميز يجب أن تتحقق المسلمات الثلاث التالية كحد أدنى، أولها ظهور قيادات تربوية تمتلك تصوراً جيداً لما نستهدفه تعليمياً على المدى الطويل وتعرف تماماً استراتيجية الوصول إليه. وثانيها مشاركة كل المفكرين التربويين في بلادنا ممن لديهم فهم متعمق لقضايا التربية ومبادئها في تحديد وضبط وإثراء توجهنا التربوي. وثالثها توفر نظام مؤسسي معزز بنظم وآليات مرنة ومنطقية تحمي قرارنا التربوي من سطوة الفرد وبيروقراطية المؤسسة. باختصار، تتحسن فرص تطوير التعليم بوجود كتاب ومفكرين تربويين يسهمون بفكرهم في تشكيل ملامح مستقبل التربية، وكذلك بوجود قنوات مؤسسية تعليمية تحتضن القرار التربوي وتزيده رشداً واستقراراً. ولن يتحقق التطوير إلا بوجود قائد تربوي يتفهم كل الآراء المطروحة فضلاً عن أن يكون قادراً على استشفاف التحديات التعليمية القادمة واستثارة وإطلاق قوى الناس وإبداعاتهم لمواجهة تلك التحديات، ولكن العلل تبدأ في الظهور عندما يحاول القائد التربوي لعب دور كل المفكرين التربويين أو دور كل النظام المؤسسي أو كلاهما.