محافظ بيش يطلق برنامج "انتماء ونماء" الدعوي بالتزامن مع اليوم الوطني ال94    البنك الدولي يعزز تمويلاته المخصصة لتخفيف آثار التغير المناخي    محافظ الزلفي يلتقي مدير إدارة كهرباء منطقة الرياض    الأمم المتحدة تؤكد أنها نفذت خطط الاستجابة الإنسانية ل 245 مليون شخص    الأخدود يتعادل سلبياً مع القادسية في دوري روشن للمحترفين    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    أبها تستضيف منافسات المجموعة الرابعة لتصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    «المجنون» و«الحكومة» .. مين قدها    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    هدف متأخر من خيمينيز يمنح أتليتيكو مدريد على لايبزيغ    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    النصر وسكّة التائهين!    قراءة في الخطاب الملكي    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    قصيدة بعصيدة    شرطة الرياض: القبض على مواطن لمساسه بالقيم الإسلامية    حروب بلا ضربة قاضية!    دراسات على تأثير غطاء الوجه على صحة الإناث..!    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    التزامات المقاولين    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    ديفيد رايا ينقذ أرسنال من الخسارة أمام أتلانتا    أمانة الطائف تكمل استعداداتها للإحتفاء باليوم الوطني 94    جازان: إحباط تهريب (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    الاستثمار الإنساني    سَقَوْهُ حبًّا فألبسهم عزًّا    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    الكويت ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارًا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    المواطن عماد رؤية 2030    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    الأمير سعود بن مشعل يشهد اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس الجمعية السعودية للعلوم التربوية جستن يرثي لحال "التربية" ويشعر بغصة وحسرة عليها "عدم الثقة" من "مكونات" ثقافتنا الحديثة !
نشر في الحياة يوم 28 - 10 - 2008


الصفحة: 27 - مقابلة
الدكتور راشد العبدالكريم تربوي من رأسه حتى أخمص قدميه، ما من مجال تربوي تعليمي إلا وطرق أبوابه ووضع بصمته عليه، تدرجت مناصبه وتنوّعت هنا وهناك. دخل وزارة التربية والتعليم ابناً باراً وخرج منها وفي نفسه شهقات وغصّات"أرثي لحال الوزارة، وما يبذل فيها من جهود جبارة ومخلصة لا تأتي بالنتيجة التي نريد. وأشفق على العاملين فيها من ضياع الجهد والوقت، وما يوجه لهم من نقد، وما تؤول له جهودهم"،
ينشد الإصلاح ولا يستعجله، أصبحت كلمة"تطوير"ترهقه لأنه يرى فيها جعجعة من غير طحن"أعطوا من التسهيلات الكثير.. فلا عذر لأحد. ولا نريد جعجعة ولا طحناً.. نريد عملاً احترافياً، يليق بالعقول التي تعمل فيه ويليق بمستوى هذا الوطن، ويوازي ثقة القيادة التي اعطت بسخاء". هو الآن أكاديمي ورئيس للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية، التي يأمل من خلالها أن تحدث حراكاً تربوياً في المجتمع طال انتظاره. فإلى تفاصيل الحوار...
هل كان قراراً سهلاً عليك الخروج من الوزارة والاتجاه للجامعة؟
- النية كانت موجودة منذ سنوات، لكن ظروفاً حالت من دون العزم، وجزى الله من سرّع في تنفيذ القرار! والإنسان إذا قدّم ما لديه، ورأى أنه لا يستطيع - لأي سبب - أن يقدّم أكثر، فالأفضل أن يترك المجال لغيره.
القرار كان سهلاً، لأنه لم يكن لدي شيء أخسره! والمكان الذي انتقلت له لا يقل بحال عن المكان الذي كنت فيه.
العمل الإداري ثم العمل الأكاديمي هل احتجت إلى"فورمات"جديدة؟
- لا. فأنا لم أنقطع عن العمل الأكاديمي، كانت علاقتي بالجامعة وثيقة، من حضور مؤتمرات داخلية حتى تتأكد أنه لم يكن لي شنّة ولا رنّة والمشاركة بأوراق عمل ومحاضرات. فلم أكن بعيداً عن الجو الأكاديمي. ثم إن العمل الأكاديمي لدينا لا يبعد كثيراً عن العمل الإداري!
حتى متى والقرار التربوي مستباح من الكل، والتربويون المختصون هم مجرد أدوات تنفيذ ليس إلاّ؟
- حتى يكون التربويون مهنيين ولا تعمي أبصارهم المناصب، وإلى أن تكون عملية اتخاذ القرار لدينا مهنية. وقد يكون من يتخذ القرار - من غير التربويين - معذوراً، فالتربويون ليس لهم طرح علمي تربوي واضح، يوجه متخذ القرار. ومثالاً على ذلك، إدخال اللغة الإنكليزية في المرحلة الابتدائية، فكثير من التربويين - خصوصاً من أصحاب الأصوات المرتفعة، جندوا أنفسهم - بشكل غير علمي - لتبرير القرار والسير خلفه، بدلاً من أن يسهموا في جعله قراراً مستنيراً.
المؤسسات التربوية أسيرة
هل مؤسساتنا التربوية أسيرة فكر أشخاص، لأننا نرى تغير الهويات كل حين، ودائماً نعود للصفر؟
- قطعاً... ولا شك في هذا. وهذا ليس عيباً في ذاته، العيب يأتي عندما يكون هذا الفكر ضيقاً وغير مهني. ولو كنا نعود للصفر لكان حسناً! لأننا نعرف من أين نبدأ، المشكلة أنها تهوي بنا الريح في مكان لا ندري ما هو! وهذه نتيجة حتمية لغياب الفكر التربوي، فالمؤسسة"التربوية"لن تعيش في فراغ، فإن لم يكن فيها فكر تربوي عميق وواع، فستمتلئ بأفكار الأصوات المرتفعة.
قرارنا التربوي لماذا يخرج خداجاً دائماً؟
- نحن دائماً في قراراتنا مستعجلون، الإنكليزي في الابتدائي نريد أن نطبقه في سنة، وقبله الوطنية، وبعده التقويم المستمر... واختبارات الثانوية... وغيرها وغيرها. لماذا نحن دائماً في عجلة غير ضرورية وغير محمودة من أمرنا؟ قد يقول قائل: في ثقافتنا أن قراراتنا إذا لم تنفذ فوراً... فلن تنفذ. يمكن أن يكون هذا صحيحاً، لكن يجب ألا يكون قاعدة يسير عليها التربويون، خصوصاً في القرارات الكبيرة.
لماذا المنطقة الضبابية في ميدان التربية هي السائدة؟
- هذا طبيعي لأن التربية وأساسها النظري علم النفس معظمها اجتهادات وفكر بشر، وكثير منها اجتهادات مستوردة من ثقافات التغير فيها هو القاعدة! فطبيعي أن تكون ضبابية، خصوصاً إذا كنا أصلاً مصابين بالعمة التربوي. فهذه الضبابية سببها أمران، طبيعة الفكر التربوي القائم على الاجتهاد، وما نعانيه من غياب المعايير التربوية العامة. عندما تقبل على المنطقة الضبابية تحس أنك لا ترى شيئاً، وهذا ما يحدث أول ما تدخل، لكن وبمجرد دخولك وبشيء من التأني والتركيز تستطيع أن تسير أمورك بشكل طبيعي.
حركات الإصلاح التربوي اليوم تنادي بإنقاذ التعليم من قبضة لتربويين... هل تؤيد مطالبهم تلك؟
- أولاً.. عندما أقول تربويين... فأنا أعني أصحاب فكر تربوي ورؤية تربوية، وليس"مؤهلاً"تربوياً... فالشهادة لا تقدم ولا تؤخر. الذي يظهر من تجارب الدول أن الإصلاح التربوي لم يأت إلا من التربويين، نعم يحتاج التربويون لقدرات إدارية وتقنية.
ولدينا متخصصون في الإدارة التربوية والقيادة التربوية. ثم أنت تتكلم وكأن مؤسساتنا الإدارية على خير ما يرام! هي لا تبعد كثيراً عن المؤسسات التربوية، بل ربما - نسبياً - تتفوق عليها المؤسسات التربوية. أنا وجهة نظري أن مؤسساتنا التربوية على ما فيها من علل هي من أفضل المؤسسات المجتمعية.
مشكلتنا الأسوار
كل العالم يعاني من مشكلات في التعليم... هل الموت مع الجماعة رحمة؟
- هل المعادلة... إما أن تموت مع الجماعة أو تعيش وحدك؟ وكل العالم على الأقل العالم المفكر! يحل مشكلاته.. فلماذا لا نكون مع الجماعة التي تحدد مشكلاتها وتبحثها في العلن.. وتطرح الحلول وتقومها وتختار ما يناسبها بناء على رؤية واضحة يشارك فيها الجميع بروح إيجابية علمية، وليس داخل أسوار.. وفي اجتماعات مغلقة وعلى ملفات سرية، ولجان مصغرة!
تقول إن تعليمنا مخترق... ممن ذلك الاختراق؟
- لم أقل أنه مخترق...! لسبب بسيط... وهو أنه أصلاً غير محصن حتى يخترق. تعليمنا أمشاج من طبيعة مجتمعنا.. يعتريه ما يعتري المجتمع.
وكما أنه غير محصن عن الاختراق.. فهو غير محصن عن الخطأ. المهم أن نستفيد من الأخطاء ونواجهها بشجاعة وحكمة، ونبتعد عن الأيديولوجية المنفتحة أو اللاأيديولوجية في محاربة الأيديولوجية المنغلقة. هذا هو التحصين الحقيقي. فالعقل المتفتح لا يعني العقل الفارغ، فالعقل الفارغ أسوأ من العقل المنغلق.
هل الأيديولوجية الدينية التي تعيشها بلادنا سبب في ضعف تعليمنا؟
- هي ليست سبباً، هي قد تعوقنا عن أشياء يستطيع فعلها غيرنا، لكنها ليست سبب ضعف التعليم. وأظن أن نتائج تصنيف المدارس الأخير يدحض هذا، فقد وجدنا مدارس تحفيظ القرآن في المقدمة.
الأيديولوجية الدينية لا تمنع من تجويد طرق التدريس واعتماد طرق حوارية استكشافية في العلوم، ولا تمنع احترام الرأي الآخر، ولا تمنع من تربية الطلاب على الثقة بالنفس، ولا تمنع توفير جو تربوي آمن ممتع ومشوق داخل المدرسة.
تصور الأمر لو لم تكن لدينا أيديولوجية دينية.. في ظل فقد الثقة بالنفس وفي ظل غياب النظرية التربوية الموجهة.. كيف سنكون؟!
ومن وجهة نظري أن سبب ضعف تعليمنا هو أننا نعالج نظاماً متهالكاً بإصلاحات جزئية مترددة تفتقد نظرية تلم شتاتها.
قميص"عثمان"وقميص"يوسف"
"المنهج الخفي".. هل هو قميص عثمان؟
- هو قميص عثمان، ويمكن أن يكون قميص يوسف.. المهم ألا يكون سروالاً استخدمها بدل ورقة التوت!! يسقط فتنكشف السوآت!
أؤكد أن ما جرى في مدارسنا لم يكن منهجاً خفياً! بل كان منهجاً مخططاً له. المنهج الخفي هو ما يكتسبه الطالب من دون وعي من المعلم أو المدرسة.
لكن دعنا ننظر إلى الجانب الإيجابي.. فلدينا القدرة على أن نحول تعليمنا إلى تعليم فاعل.. ولدينا رغبة في العمل التطوعي الجاد.. فلماذا لا نوجه ذلك الوجهة الصحيحة، بعيداً عن المزايدات الشخصية والأيديولوجية الضيقة؟
لماذا مصطلح"عدم الثقة"متفشٍّ بين أركان القيادات التربوية.. فلا ثقة بالمعلم ولا ثقة بالمدير ولا بمدير التعليم نفسه؟
- يظهر لي لأنه انعكاس لعدم الثقة بالنفس.. فنحن ليس لدينا ثقة بأنفسنا. منذ أكثر من ثلاثين سنة ونحن نجوب العالم أوله وثانيه وثالثه! بحثاً عن التجارب ونقلاً للخبرات.ونبتعث طلابنا لكل دول العالم.. ولم نبلغ بعد أن تكون لدينا خبرة يبحث عنها الآخرون! أو أن نعرض تجربتنا التربوية على العالم ولو في محفل دولي واحد، ولم ننتج بعد نموذج إصلاح تربوي يمكن أن يحتذى.. أو على الأقل يعرض في محافل مهنية أو علمية.
وعلى العموم"عدم الثقة"مكون من مكونات ثقافتنا السعودية الحديثة. أضف إلى هذا مكوناً آخر - وهو مكون عربي وليس محلياً! - وهو عدم الاحتفاء بالإبداع. هل رأيت فكرة طرحت يحتفى بها وتناقش وتطور وتنقد؟! ويتم ذلك لأجل الفكرة ذاتها.. وليس لأسباب خارجة عنها؟!
مشروع تطوير التعليم
ك"أكاديمي"... ما هو تقييمك للأداء في مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم؟
- ليس لدي شك في حسن نية القائمين على مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم ورغبتهم في النجاح، لكن أيضاً ليس لدي أدنى شك في خطأ توجههم في التطوير! النموذج التطويري يبنى نظرياً قبل كل شيء، فكما قيل: العمل آخر الفكرة. هل تمت دراسة الواقع؟ هل بني إطار نظري يضم أشتات المحاور الأربعة التي يعتمدها المشروع؟
هل تلك المحاور اختيرت بناء على نظرية في التطوير التربوي؟ كيف تمت عملية تحديد المشكلة وتشخيصها؟ أؤكد لك أن تقارير المشرفين والبحوث التربوية وملاحظة التربويين تؤكد على أن الخلل في أساسيات البيئة التربوية وفي عمليات التعليم والتعلم. والمشروع نحا منحى آخر. بحسب علمي لا يوجد إطار نظري للمشروع على الأقل حتى تاريخ هذا الحوار. لكن من باب الحدس الإداري - الأقرب للعامي - تمّ اختيار أربعة محاور للتطوير.
وعلى فرض وجوده ولو في أذهان القائمين على المشروع أو القاعدين عليه! فهل درسه المنظرون والأكاديميون؟ وشاركوا في بنائه؟ أؤكد لك أن هذا لم يحدث.
وقد يكون السبب في الأكاديميين، فأنا أرى أن فشل الأكاديميين أكبر في مجال التطوير والإصلاح التربوي، من فشل التربويين الممارسين. فهم لم يطرحوا مشروعاً إصلاحياً، غالبية ما هو مطروح شذرات يغلب عليها التعالي والجانب النقدي أكثر من البنائي الإبداعي. وهناك تركيز على التقنية، حتى أنها جعلت محوراً من المحاور الأربعة التي قام عليها المشروع.
ووجهة نظري أن التطوير لدينا ينقصه أشياء كثيرة وأساسية قبل التقنية وأهم منها. التقنية إذا لم يوظفها فكر تربوي وإداري واع وناضج ومبدع، تكون من أكبر القيود على التربية وأثقل الأعباء. السبورات الذكية مع المعلم غير المبدع تنقلب إلى سبورات بلهاء، وستستخدم لكل شيء إلا لتعزيز التعلم. وسوف تتحول المدرسة إلى مستودع ل الهاردوير، وسوف يتحول صيانته والمحافظة عليه عبء على المدرسة ومديره. وبهذا نضع العربة قبل الحصان، فكيف إذا كان الحصان مريضاً! بعض المدارس لا يجد المعلم مكاناً يقف فيه فضلاً عن أن يتحرك فيه وبعض المدارس تمر عليها الأيام ليس فيها ماء للشرب! وتمر عليها أسابيع ليست فيها مكيفات. ونحن نبحث عن الإصلاح بالسبورة الذكية.
مشكلتنا الكبرى في عمليات التعليم والتعلم طرق تدريس وتعلم/ إشراف تربوي وتوجيه وإرشاد وهما لب النظام التعليمي، ولم يبلغا أن يكونا محورين في المشروع!
فلذلك أرى أن المشروع إن نجح وأدعو لهم بذلك فهو أمر خارق للعادة. المشكلة أن كثيراً من الأمور لدينا لا تخضع للتقويم الصحيح، فهو سيمر.. ويأخذ قوته من مبدأ الأمر الواقع. ولن يسأل أحد هل نجح أم لا! أعرف أن كلامي فيه تشاؤم، لكنه نابع من الواقع. وكثير ممن في المشروع زملاء لي أعزة، وقلت هذا الكلام لبعضهم.
أين بلغ الأمر بمشروع تطوير التعلم... ألا ترى أن حركة المكلفين به بطيئة أكثر مما يجب؟
- الكرة الآن في ملعب الوزارة.. كان العائق المال.. فقد جاءهم ما لم تحلم به وزارة من قبل! وكان العائق الروتين.. فقد أعطوا من التسهيلات الكثير.. فلا عذر لأحد. ولا نريد جعجعة ولا طحناً.. نريد عملاً احترافياً، يليق بالعقول التي تعمل فيه ويليق بمستوى هذا الوطن، ويوازي ثقة القيادة التي اعطت بسخاء.
أليس من الخطأ أن تشرف الوزارة على مشروع التطوير وكأنك مكانك سر؟
- هي لا تشرف.. في الواقع هي التي تعمل الآن.. وتقوم! وكأن الأمور عادت لما كانت عليه. .. لأن الوزارة الآن كما هو معروف فرغت من أكثر كفاءاتها وخبراتها. وهذا ما يجعل مساحة التفاؤل قليلة، وأذكر: حتى نخرج من المشكلة نحتاج إلى نمط من التفكير يختلف عن الذي أدخلنا فيها.
والحل في نظرك؟
- ليس لدي حل جاهز، لكن لدي أسس ومرتكزات للحل:
البدء بالإطار النظري، ما هي جوانب الضعف وأسباب الخلل؟ ثم ما هي الفلسفة التربوية التي نرى أنه يجب أن يرتكز عليها مشروع التطوير؟ ما هي عملية التعليم الفاعلة؟ كيف تتم عملية التعلم بشكل فاعل وعميق؟
ما هو مركز المتعلم الطالب؟ ما أدوار عناصر العملية التعليمية؟ ما عناصر أو أبعاد التطوير الأساسية التي يجب أن يركز عليها، ولماذا؟ وما العلاقة بينها؟ هذه أسئلة - ضمن كثير غيرها - يجب أن يجيب عليها الإطار النظري. بعد وضع الإطار الفكري النظري، يجب أن يطرح للميدان للأمرين: أن يدرس ويقوّم من أصحاب الاختصاص، والثاني أن يفهمه أصحاب الشأن وذوو العلاقة ويقتنعوا به. هؤلاء تربويون وعملهم تربية وبناء عقول، فكيف نطلب منهم تربية طلابنا على الحوار والإبداع ونحن نسوقهم سوقاً في"مشروع تطوير"لا يدرون عنه شيئاً. تغيير الأفكار التي في أذهان التربويين أمر مهم.
بعض المسؤولين التربويين يملكون مؤسسات تربوية للبحوث والاستشارات.. هل تجد في ذلك ظاهرة صحية؟
- قلت إن التعليم"مخترف"وليس مخترقاً! طبعاً نظاماً هذا غير مسموح به في ما أعلم، والأمر يعتمد على النية، وعلى معايير التنفيذ الاحترافية. ولو اقتصر الأمر على البحوث لهان الأمر!
هل تكفي 4 سنوات للحكم على انجاز مسؤول تربوي؟
- ولماذا نحكم، وماذا ينبني على الحكم؟! أختار من أجد فيه الكفاءة ولديه القدرة والأمانة، يقدم ما لديه، ثم إذا انتهى ما لديه أو بدا منه قصور... يأتي غيره. أربع سنوات كافية لأن يتضح ما لدى المسؤول من مشاريع وتوجهات، لكن ليست كافية لأن تؤتي ثمارها.
جستن وعصا موسى
الجمعية السعودية للعلوم التربوية جستن ماذا ينتظرها منك؟
- ليست لدي عصا موسى، ولو على الأقل أتوكأ عليها."جستن"فيها سكرتير ومحاسب، وإعانتها من الجامعة لا تكفي لراتبيهما. وعندما تسلمت رئاستها كان عدد الأعضاء 600! وبلغت الآن قرابة ال2000. وهدفنا ال10 آلاف. ورؤيتي أن أستهدف الممارسين الميدانيين المعلمين والمديرين والمشرفين وتكون الجمعية جسراً بينهم وبين الأكاديميين.
كما نسعى لتفعيل التواصل الإلكتروني بين التربويين، وتعزيز بعض المفاهيم التربوية الحديثة. وقادة وزارة التربية الآن من المؤسسين الرواد لجستن ونتوقع منهم الوقوف معها. وأرجو ألا يغضبوا من نقدي للوزارة، فكما يقال:"دي حاجة .. ودي حاجة"!!
لماذا ليس عندنا مؤتمر تربوي عالمي ننتظره بفارغ الصبر؟
- لا أؤيد عقد المؤتمر... حتى يكون لدينا فكر ناضج نطرحه فيه... وثقة بالنفس تمكننا من طرح تجاربنا ومناقشتها. وفكر ناقد يمحص ما يطرح ويشارك في تطويره. نحن بحاجة إلى حلقات نقاش صغيرة لترتيب أوضاعنا التربوية. ولعل"جستن"يكون لها دور في ذلك.
لماذا برامج التطوير تتم خارج المدرسة ولا تتم داخلها؟
-"فتش"عن النظرية! وارجع لسؤال عدم الثقة! النظرية التقليدية ترى أن التطوير يجب أن يأتي من الخارج... ومن فوق! بينما التوجهات الحديثة والأكثر نجاحاً ترى إيجاد المدرسة ذاتية التجدد، والمدارس المتعلمة. وفي رأيي أن التطوير الحقيقي يجب أن ينبع من داخل المدرسة وأتمنى أن تكون الوزارة آخر من يعلم عنه!.
ما الذي يمنع أن تكون المدارس مفتوحة 18 ساعة في اليوم لتمارس كل أدوارها في المجتمع؟
- دعنا أولاً نجعلها تنجح في الساعات الخمس الأساسية التي تفتح فيها الآن، ثم بعد ذلك نفكر في بقية الأدوار!
لماذا تصر وبشدة على أن خصخصة التعليم جريمة في حق الأمة؟
- لأنه ببساطة... الاقتصاد قائم على الربح والنفعية بالدرجة الأولى وقد تكون عندنا الوحيدة!، والتربية قائمة على التضحية والمصلحة العامة واحترام إنسانية الإنسان وكرامته.
فمنذ وعينا ونحن نسمع: العلم نور... والنور ولله الحمد بالمجان إلا عند شركة الكهرباء! فحسابات التوجيهيين مختلفة تماماً وربما متناقضة!. خصوصاً أن رؤوس الأموال لدينا ليست واعية! باختصار التعليم العام... حق للمواطن على الدولة لأنه استثمار... ودين يمكن أن تطالب برده في أي وقت وبأي ثمن تراه!
عندما نرى نجاحات سنغافورة في التعليم... هل نشعر أن الحل صعب جداً؟
- أولاً نجاح سنغافورة ليس في التعليم وحده. ثم ان سنغافورة بلد صغير ولا تقاس بوضع المملكة ومشكلاتها الاجتماعية والثقافية. الحل ليس سهلاً ولكنه ليس مستحيلاً. المهم أن نسلك الطريق الصحيح، ليست المشكلة أن نصل اليوم أو غداً، أو نصل متعبين أو مرتاحين! وسبق وقلت في غير هذا الموضع، بعض إدارات التعليم لو أعطيت حرية مطلقة وفصلت عن الوزارة، لأبدعت أكثر من سنغافورة. والله إني أشعر بالخجل إذا سمعت عن سنغافورة، وأقول"عيب"علينا معاشر التربويين أن نجلس مكتوفي الأيدي أمام فشلنا التربوي.
لماذا المسؤول عندنا يداوم في مكتبه أكثر من الميدان؟
-"أين"ليست مهمة! المهم أن يقترب من هموم الميدان، ويطلع على ما يجري اطلاع من يريد أن يطور ويحل المشكلات ويساعد لا اطلاع من يريد أن يحاسب. كأني أسمع بعض مديري المدارس يقول: الله أرحم أن يجمع علينا المسؤول والمشرف التربوي!
لو كنت وزيراً
لو كنت وزيراً للتربية.. ماذا ستعمل؟
أعمل الآتي:
- أسعى بكل جهدي ليتاح لكل فرد في سن الدراسة مقعد في مدرسة محترمة، تليق بالاستخدام الآدمي! وتنافس المدارس الأهلية ويكون عندي هدف استراتيجي وهو إغلاق 75 في المئة من المدارس الأهلية، لإفلاسها!.
- أعطي مديري المدارس بدل إدارة، وأحدد معايير للمدرسة ذاتية الإدارة، وأخصص موازنة لكل مدرسة بناء على برامجها التربوية. وأعطي الموازنة لمدير المدرسة وأحاسبه في نهاية العام. وأفوضه في مكافأة 10 في المئة للمعلم المتفوق.
- أوزع 30 في المئة من الموظفين الإداريين في الوزارة وربما إدارات التعليم على المدارس.
- أضمن لإدارات التعليم رواتب الموظفين والكتب، وأفوض مديري التعليم بالصلاحيات كاملة، واجتمع بهم في أول العام وآخره.
عندما تسمع عن تعيين وزير للتربية ماذا تحدث به نفسك؟
- أفكر: من سيخرج من الوزارة من الموظفين! لأنه صار ثقافة إدارية عندنا.. أن بقاء فلان مرتبط بعلان. وماذا سيبقى من المشاريع وماذا سيتوقف! ثم أدعو له بالتوفيق.
وأنت الآن أكاديمي وبعيد عن الميدان.. هل ترى في التنظير حلاً تربوياً؟
- التنظير ليس حلاً.. لكنه لا يمكن أن يكون حلاً ناجعاً وبعيد المدى من دون تنظير. وأذكر: ليس هناك اكثر عملية من نظرية جيدة. المشكلة أننا نخلط بين كثرة الكلام والتنظير، فليس كل كلام تنظيراً. الأساس النظري لا بد منه لكل عمل ناجح. ما أسهل الضياع والارتجال والتضارب في القرارات عند فقد التنظير الجيد وهذه سمات عملنا التربوي!. أنا أظن أن من أسباب تردي الأوضاع التعليمية لدينا هو فشل الأكاديميين في تقديم نظرية تربوية لإصلاح التعليم لدينا، وعدم قدرتهم على إقناع القادة التربويين بأهمية النظرية التربوية. فنظرية من دون عمل فكرة معقدة، وعمل من دون نظرية عمل أعمى!
المناصب في "التربية" .. أنفاق "بيروقراطية" قد "تهلك" صاحبها
يرى راشد العبدالكريم أن تدرجه في مناصب تربوية في وزارة التربية حتى وصلت للرجل الأول في الإشراف التربوي،"كسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً".
ويؤكد :"يعلم الله إني لم أطلب واحداً منها، لأني أعلم أنها أنفاق بيروقراطية، قد تفضي بك إلى المكان الذي تريد، وقد تتفاجأ بأنها مقفلة النهاية، وقد تفضي بك إلى مهلكة! التحدي في مثل هذه الوظائف هو أن يوائم الإنسان بين متطلبات المنصب ومتطلبات الأمانة التي تناط به. قليل من يستطيع الموازنة، وكثير من يفشل. والمشكلة أنه من هذا الكثير من يعدّ ذلك نجاحاً! حاولت أن أستثمر وجودي في تلك المناصب من معلم إلى مدير عام الإشراف التربوي لأقدم شيئاً ينفع الميدان، وأرجو أن أكون نجحت، وحسبي الاجتهاد. ووالله لما كنت مديراً عاماً للتوجيه وأرى شاباً في سن المدرسة يدخن أحس بمرارة، وأقول في نفسي: هذا دليل فشلي".
وعما إذا كان يشعر بغصة ما وهو يرى الوزارة من الخارج، قال:"غصص، وليست غصّة واحدة، غصّة شفقة، وغصّة حسرة، فأنا أرثي لحال الوزارة، وما يبذل فيها من جهود جبارة ومخلصة لا تأتي بالنتيجة التي نريد. وأشفق على العاملين فيها من ضياع الجهد والوقت، وما يوجه لهم من نقد، وما تؤول له جهودهم، فهل معقول أنه ليس هناك طريق للإصلاح؟ وهل نحن أول أمة وجدت على الأرض؟ بحيث نحتاج لإعادة اختراع العجلة في كل شيء؟
الوزارة كانت مقبلة على مشروع تطويري وطني كبير قد لا يتاح مرة أخرى! ولديها مشروع لتطوير العلوم والرياضيات، ومع ذلك فرطت في كفاءات وطنية في الرياضيات والعلوم والحاسب الآلي! صرفت سنوات في تأهيلهم وإعدادهم. ثم أخذت تتسول المؤسسات العلمية الأخرى بحثاً عن غيرهم!"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.