*محمد بن عبدالله بن سليمان التركي: تعود علاقتي بسعادة الشيخ عثمان الصالح - رحمه الله - إلى أكثر من ستين عاماً حين كنت أحد طلاب أخيه المعلم والمربي الكبير الأستاذ صالح بن ناصر بن صالح - غفر الله له - الذي أرسى مبادئ التعليم المنهجي المطور في عنيزة قبل سبعين عاماً..! أقام الشيخ عثمان بعنيزة زمناً، وكان يدرس على يد أخيه الأستاذ صالح ويدرسنا في الوقت نفسه، وكانا مع الأستاذ عبدالمحسن - رحمه الله - ثلاثة إخوة انقطعوا للتعليم وأفنوا أعمارهم - حتى تقاعدهم - لخدمته والسهر على شؤون معلميه وطلابه.. لم يكن الصوالحُ الثلاثة بدعاً في شجرة هذه الأسرة المباركة فقد عرفنا منهم العالم والقاضي والإمام فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن صالح رحمه الله الذي عاش معظم عمره في المدينةالمنورة وكان إماماً وخطيباً للمسجد النبوي الشريف ومدرساً للفرائض وقاضياً منذ عام 1368ه، ثم تدرج حتى صار رئيساً لمحاكم مدينة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وعضواً في هيئة كبار العلماء، ورجل خير وصلاح. ونضيف إليهم - ولا نزكي على الله أحدا - العالم الرباني الزاهد في الظهور المنقطع للعلم وعمل الخير فضيلة الأستاذ بجامعة الإمام الدكتور محمد بن أحمد الصالح، الرجل الفذ الذي يعد حجة ثبتاً في مجال تخصصه، وداعيةً إسلامياً وسائطهُ في الدعوة إلى الله الحكمة والموعظة الحسنة، يعطيها من وقته وجهده في الداخل والخارج كل ما يستطيعه رغم ما يعانيه من عناء ومشقة ومتاعب صحية دون أن ينتظر جزاء غير رضا الله وثوابه، جعل الله أعماله خالصة لوجهه وفي ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون. رحل الشيخ عثمان، والناس شهود الله في أرضه، والموعد - مثلما قال أحد الأئمة - يوم الجنائز، وقد شهدنا كيف امتلأ جامع أم الحمام ومقبرتها ومنزل الشيخ أبي ناصر بالجموع الغفيرة التي قدمت من كل مكان لتدعو للفقيد بالرحمة والمغفرة وتواسي أبناءه ناصر ومحمد وخالد وعبدالإله وبندر، وأبناء أخويه صالح وعبدالمحسن، وذويه وفي مقدمتهم الشيخ الدكتور محمد بن أحمدالصالح وبقية أفراد الأسرة الصالحية المباركة، وهذه بشارة الدنيا التي نسأل الله أن يكملها ببشارة الدار الآخرة، جمعنا الله به في مستقر رحمته. لقد تضافر تلاميذ الأستاذ صالح في عنيزة فأنشؤوا بعد وفاته معلماً حضارياً كبيراً هو مركز صالح بن صالح التابع للجمعية الخيرية الصالحية فكانت الجمعية والمركز شاهدي وفاء لمن يستحق الوفاء، وتلاميذ الشيخ عثمان - وفيهم الأمراء والوزراء والأدباء والمسؤولون والأعيان - قادرون على إقامة مركز مماثل للشيخ عثمان في (الرياض) أو (المجمعة) المدينتين اللتين أحبهما وأعطاهما، وهما مطالبتان بتخليد اسمه عبر تسمية شارع ومدرسة باسمه في كل منهما، ولنا وطيد أمل في سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض الداعم لمبادرات البناء والمتصدر لأعمال النماء كما نتطلع من سمو الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير - وهو المشهود له بالخير - أن يسهم في أحد هذه المشروعات، ولا ننسى أبناء رفيق عمره الشيخ محمد الجميح - رحمه الله-، وصديقه الشيخ محمد الإبراهيم السبيعي - حفظه الله - وغيرهم ممن نذروا أنفسهم وأموالهم لأعمال البر، كما نطالب أبناءه البررة بالمحافظة على (الاثنينية) التي هي منتدى علمي ثقافي تجاوزت ملكيته حدود الأسرة إلى آفاق المجتمع كله، فالذكر يبقى، والعبد ينقطع عمله بعد موته إلا من العلم النافع والصدقة الجارية والولد الصالح - كما في الحديث الشريف - والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. والله أسأل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويفسح له في قبره وأن يضع له القبول وأن يبارك في أولاده وأحفاده، والله المستعان.