أقول يخطئ الكثير منّا حينما يعتقد أن أزمة سوق الأسهم عندنا بدأت حينما بدأ الانهيار منذ ثلاثة أسابيع، ويخطئ أيضاً من يُحَمِّل هيئة سوق المال بصورة مباشرة مسؤولية حدوث الانهيار أو أنها عجزت عن الحد من التراجع المخيف في سوق الأسهم. فانهيار سوق الأسهم أشبه ما يكون بالانفجار البركاني الذي يجعل السيطرة عليه أمراً في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً. ولكن مسؤولية هيئة سوق المال تبرز في عدم استشعارها للخطر في وقت مبكر وهو الوقت الذي تجاوز فيه مؤشر السوق العشرة آلاف نقطة صعوداً، عند ذلك الحد اتضح جلياً أن أسعار الأسهم تضخمت بصورة واضحة وأن أسعار الأسهم لا تعكس القيمة العادلة لها التي يتم تحديدها بناء على العوائد المحققة ومعدلات نمو عوائد تلك الأسهم المتوقعة للسنوات القادمة. عند ذلك الوقت بدأت ملامح أزمة للسوق المالي في التكون وهي شبيهة تماماً لما تعرضت له عدة أسواق عالمية وإقليمية بل وحتى محلية، كما حصل لسوق الأسهم السعودي في بداية التسعينيات الميلادية. في ذلك الوقت أيضاً كان بالإمكان أن تكون عملية السيطرة على الأزمة في غاية السهولة لو أن الهيئة أولاً شعرت بخطورة الموقف ومن ثم بادرت باستخدام الأدوات المناسبة للحد من التزايد الفاحش في أسعار الأسهم. يعلم الجميع بأن طرح شركات جديدة للاكتتاب العام يؤدي إلى تقليل سيولة السوق وهو ما يحد من القوى الشرائية للمستثمرين وما يؤدي في النهاية إلى انخفاض أسعار الأسهم. ويعلم الجميع أيضاً بأن لدى هيئة سوق المال قوائم بعشرات الشركات تطلب إدراج أسهمها في السوق إما بإصدار جديد أو بزيادة رأس مال شركات قائمة، ومن المؤسف حقاً أن بعض هذه الطلبات أصبح عمره يقاس بالسنوات وهو حبيس أدراج الهيئة. فلو أن الهيئة استخدمت طرح الأسهم الجديدة لكبح جماح السوق في ذلك الوقت لنجحت ليس فقط في الحد من حدوث الكارثة بل حتى لحققت نجاحات في توظيف السيولة لدى المواطنين والتوظيف الأنسب الذي من شأنه خدمة الاقتصاد القومي. قد تكون حجة المسؤولين في الهيئة هي عدم اكتمال تلك الطلبات وإن الشركات المقتدمة لم تبادر باستكمال متطلبات الإدراج، ولكن ذلك لا يعفي الهيئة من المسؤولية، إذ كان ينبغي أن تأخذ الهيئة بنفسها المبادرة لتعجيل طرح هذه الشركات وتقديم كافة التسهيلات لذلك خصوصاً عندما يكون الدافع وراء ذلك الحفاظ على مدخرات شعب بكامله. إن القارئ للأحداث خلال الأسابيع الماضية يكتشف أن هيئة سوق المال لم تعلم بحقيقة تضخم السوق وآثار ذلك التدميرية إلا بعد صدور تقرير البنك الدولي الذي أشار بذلك والذي بلغنا بعد أن جاوز مؤشر السوق العشرين ألف نقطة. عندها فقط أدرك المسؤولون في الهيئة خطورة الموقف وقاموا بضرب أخماس في أسداس وتمخض عن ذلك سلسلة من القرارات قصد منها الحد من اندفاع السوق ولكنها وبكل أسف كانت قرارات يائسة ولا قيمة لها لأن وضع السوق في ذلك الحين يعتبر خارج نطاق السيطرة. إن ما يثير الغرابة حقاً هو ما يحدث بعد بداية انهيار السوق من أخبار عن طرح شركات للاكتتاب العام. فخلال الثلاثة أسابيع الماضية لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن تواريخ بلا اكتتابات جديدة. ففي الفترة التي يحتاج فيها السوق إلى محفزات تستعيد ثقة المستثمرين نجد أن التزاحم من اعلان أخبار هذه الاكتتابات من شأنه إضعاف أية إجراءات تسعى لوقف انهيار السوق. هذا التصرف من الهيئة في الواقع يثير علامة استفهام كبيرة عن قدرة الهيئة على قراءة أحداث السوق وبالتالي التعامل معها بشكل صحيح. كما أن ما ذكرته هنا يؤكد بأن الهيئة لم تستفد من تجارب الأسواق الأخرى الأمر الذي سيمكنها من استشعار الخطر في وقت مناسب. ونتيجة لذلك نخرج بأن المسؤولين في الهيئة جانبهم الصواب إلى حد ليس بقليل في التعامل مع هذه الأزمة التي قد تعصف بمقدرات شعب كامل. وفي النهاية لا يسعنا إلا قول (اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه).