لم تكن تلك الصحيفة الدنماركية أول مَن تعرض لديننا ومقدساتنا حينما نشرت بسوء أدب وحمق تلك الرسوم التي تعرضت لنبي الهدى والمرحمة، ولكن سبقتها تصرفات سابقة من أشخاص ودول. إلا أن هذه الصحيفة وبلدها المناصر لها والمقتنع بما فعلت واجها غضباً إسلامياً عارماً حمل في داخله كل الإساءات السابقة التي لم يكن لها رد فعل مساوٍ للحدث يمنع من تكرار وقوعه فحدث ما حدث، ولو قدِّر أن تمر خطيئة تلك الصحيفة دون هذه الموجة للحقتها إساءات أخرى. لقد واجهت دول العالم الإسلامي هذه الإساءة بالمسيرات والمظاهرات التي شابها شيء من العنف في بعض الأحيان، كما واجهتها بسلاح المقاطعة الاقتصادي الذي يعدُّ حقاً (ضربة معلم) أدى إلى التأثير المباشر على الاقتصاد الدنماركي وعلى المدى الطويل. إلا أن هذه المقاطعة من وجهة نظري تحتاج إلى مزيد من التركيز وإلى تسخير هذه القوة لتحديد وتحقيق الهدف المرجو. إن الهدف المطلوب من المقاطعة الذي ينبغي أن نسعى إليه من وجهة نظري هو الوصول إلى قرار دولي يجرم إهانة الأديان والأنبياء والكتب السماوية، وليس مجرد معاقبة المسؤولين في تلك الجريدة؛ حتى لا نعود فنرى مَن يهين نبينا أو ديننا أو قرآننا أو حتى ربنا سبحانه وتعالى. فاستراتيجيتنا ينبغي أن تتجه إلى ذلك فنضمن أننا بعد هذه الأزمة نستطيع قانونياً ملاحقة من يفعل ذلك وإيقاع العقوبة به، وهكذا لا يؤذينا سلمان رشدي أو تسليمة نسرين أو غيرهما من الناعقين الباحثين عن متاع الدنيا القليل الذي يجدونه من دول الغرب التي تناصرهم حين يقولون ذلك ويعتلون تلك الموجة. وبذلك فإننا نحمي ديننا ومقدساتنا من الاعتداء، قريباً كان ذلك المعتدي أم بعيداً. ينبغي أن نجعل الإساءة إلى ديننا - وبشكل قانوني - هاجساً مخيفاً كما هو الحال بالنسبة إلى محرقة اليهود المزعومة (الهولوكوست) على أقل تقدير. لا شك أن الرسالة التي بعثها العالم الإسلامي قد وصلت إلى الغرب تماماً ووعاها وعلم ضررها الاقتصادي ذلك الوتر الحساس لديهم، ومهما كابروا الآن بمحاولة الاتحاد الأوروبي التضامن مع الدنمارك فإنهم يتمنون أن تلك الإساءات لم تصدر. إن مَن يفهم التفكير الغربي يعلم أنهم لا يريدون التفاوض وأظهرهم للجدار، وإنما يريدون التفاوض بموقف القوة. وهكذا فقد قدم الاتحاد الأوروبي هذا التضامن الشكلي مع الدنمارك تمهيداً لحل المشكلة دون تقديم قدر كبير من التنازلات. إن كونهم يقرون حرية الرأي ويمارسونها لا يعني حقهم في إهانة مقدساتنا، وكما يعلم الجميع فإن حرية شخص ما تقف عند حدود حرية الآخر. وهكذا فإننا بحاجة إلى تفكير متعقل هادئ يوحد ويركز تلك الجهود الإسلامية المشكورة لتحقق غايات محددة بدلاً من أن تكون مجرد انفعالات وقتية غير موجهة تنتهي بمرور الزمن. إن مجرد محاكمة أو معاقبة المتسبب في هذه الأزمة ليس إلا علاجاً وقتياً لحالة فردية لا يمنع من تكرار حدوث مثيلاتها من جديد. والتساؤل الآن هو: كيف تستطيع الدول والمنظمات والجمعيات الإسلامية أن توحد الجهود والاتجاه من أجل الحصول على تشريع دولي يجرم إهانة الأديان والمقدسات وينهي بنجاح هذه الأزمة الحالية التي افتعلها الدنماركيون، ويقينا مواجهات وأزمات أخرى قادمة قد يفتعلها آخرون؟ [email protected]