للحب نفحات عطرة لا تستنشق عبيرها إلا المشاعر المرهفة، ولا تنتشي من رحيقها إلا الأذواق الرفيعة الشاعرة، نفحات تمس القلوب مساً رقيقاً رفيعاً، فتؤنسها، مداعبة تبعث وجداً، واستثارة، تهيّج شوقاً، شوقاً ينساب من جنباته شعر يغازل الأرواح فيطربها، والأجسام فيلطّفها، ويعطّفها، شعرٌ إن شبّه أجاد، وإن ورّى أفاد وإن استعار وشّى الحلل، وإن كنّى أصاب المثل. شعر يتزود من النفحات مفردات اللطائف للقصائد، وقلائد الطرائف للشوارد، ومن صفات النفحات العليلة أن تهبك نثراً كالشعر، وشعراً كالدر، نصيب الرقة منه جزيل والجزالة منه جميل. وما لاقت الرقة، والجزالة وانسجمت، وتألقت إلا حيث الحب والجمال، فهي بهما جديرة وبوصفهما خليقة، وما احتجبت النفحات اللطيفة إلا عن أهل القلوب السقيمة، والعقول المريضة لأن الحب أسمى أن ينال شأوه غلاظ الأكباد، وأشباه الجماد، وعلى أمثال هؤلاء ينطبق قول الشاعر: إِذا أَنتَ لَم تَعشَق وَلَم تَدرِ ما الهَوى فَكُن حَجَرا مِن يابِسِ الصَخرِ جَلمَدا ورحم الله ابن القيم حيث قال: إنه لا يسلم من الحب إلا الذي ليس فيه فضل ولا عنده فهم، ونقول: فيا نفحات الحب حيّي وسلّمي على كل قلب بالأحبة مغرم ولا تنفحي قلباً خلياً من الوفا ولا تقربي منه ولا تتنسّمي فما للئيم القوم والحب حرمة ولا ذمة ترعى بقلب ولا فم إن للحب نفحات انفرد بها وحده، ومن نفحاته العطرة التي اختص بها: ألا يقبل أن ينتسب إليه بخيل، فالبخل من أعدائه، وألا ينسجم مع لئيم، فاللؤم من أضداده، وألا يتفق مع كاذب، فالكذب من خصمائه. ومن صفاته، الشيم، ومحاسن القيم، والكرم، وهذه الصفات الكريمة لا يمت الجبان إليها بصلة، ولا البخيل بنسب، ولا اللئيم بسبب لأنهما فضائل كما قيل: وما العشق في الإنسان إلا فضيلة تدمّث من أخلاقه وتظرّف وقيل في فضل الحب: لو أحب الشيطان لتلاشى الشر من نفسه. وقالوا: الحب يوجد شوقاً، والشوق يوجد أنساً، فمن فقد الشوقَ، والأنس فليعلم أنه غير محب، ويقول المعري: إن شئت أن تلقى المحاسن كلها ففي وجه من تهوى جميع المحاسن عبد الله سعد القحطاني/ المدينة