لعل أبرز ما يدور في غالبية الفضائيات والقنوات التلفزيونية وكذا الحال في الصحف والمجلات والمجالس والمنتديات حوارات تحمل صبغة الرأي والرأي الآخر ولعل المشاهد والمطلع والمتابع يدرك حجم البعد الحقيقي عن معنى ومقصد الرأي والرأي الآخر.. فأصبحت بعض القضايا أو المشكلات أو الموضوعات الحساسة والمحسوم أمرها شرعاً أو نظاماً تدخل ضمن دائرة الرأي والرأي الآخر.. وهنا تبرز إشكالية سوء توظيف المفاهيم والمصطلحات فيما يتناغم ويتناسب معها.. سوء استخدام هذا المصطلح أوجد فجوة كبيرة وثغرة متسعة بين أصحاب الآراء والأفكار فحتى الأمور المحظورة والممنوعة أدخلت ضمن نطاق الرأي والرأي الآخر فأي موضوعٍ يراد إثارته أو تفجيره فيمكن تمريره عن طريق هذا المصطلح.. فبالرأي دخلت العرب بخلافات مستديمة وبسبب الرأي فقدت قضايا مصيرية وبالرأي ضعفت قوتنا وقلة هيبتنا وبالرأي تغلل العدو بيننا وبالرأي لم يعد لنا أثراً ولا تأثيراً في منظومة العمل المحلي أو الإقليمي أو الدولي.. وبسبب الرأي الأوحد والمتعنت نشأت لدينا ثقافة التعصب للرأي وعدم احترام آراء الآخرين ودخل كثير من قضايانا الاجتماعية والأسرية والتربوية والثقافية والإعلامية تحت مظلة الرأي وأصبح كل يخوض ويغوص فيما يتلاءم مع رأيه ويتواءم مع أفكاره مسفهاً في الوقت نفسه آراء الآخرين ومنتقصاً أفكارهم حتى أمور الشريعة والمسائل الفقهية التخصصية أدخلت ضمن نفق الرأي والرأي الآخر فكل يلوك بلسانه ويكتب بقلمه ما يشاء دون اعتبار للتخصص والتمكن وغير مبالٍ بما يجوز وما لا يجوز وغير مدرك لأعراف وتقاليد وعادات المجتمع وهذا زاد من دائرة الاختلاف وكرس حالة من العداء والكره وسبب فرقةً وشتاتاً بين أفراد المجتمع، وهذه الحالة اصلت المثل الشهير (اجتماع العرب على ألايتفقوا) نعم لم اتابع حواراً تلفزيونياً وأجد في نهايته توافقاً أو أقرأ موضوعات طُرحت في الصحف وخلصت إلى قبول أحد الرأيين والقبول ينبني على الدليل البين والبرهان الواضح والحجة البالغة أو الإقناع العلمي بالعقل الناضج والفكر السليم.. ولهذا أقول إن الجهد بمصطلح الرأي والرأي الآخر وسوء توظيفهما جاء نتيجة لحب الظهور والدوران تحت أضواء الشهرة حتى وإن كان على حساب تعاليم الإسلام أو قيم وأعراف وتقاليد المجتمع التي هي جزء من مكونات النظام لكل بلد وقطر.. وهنا نعترف بوجود أزمة تفاقمت وقسمت المجتمع وباعدت بين أهل الثقافة وأصحاب الفكر وأرباب القلم، وهنا الأمر يحتاج لإعادة النظر بوضع ضوابط وشروط مع توضيح مدلول الرأي وماذا يقصد به ومتى يستخدم؟ حتى لا تنشأ الأجيال على ثقافة رأي الإقصاء والحرية المنفلتة للرأي الآخر.