في السعودية تحزبات بدون أحزاب في المملكة العربية السعودية يوجد الكثير من التحزبات بدون أحزاب والكثير من الأفكار بدون مفكرين نتيجة عوامل كثيرة سياسية واجتماعية لست بصدد استقرائها، وقفت كغيري ممن شدهم قوة السجال الفكري الذي احتدم خلال الأسبوعين الماضيين والذي انتهى بشكل دراماتيكي غير متوقع، سجال أظهر بعضاً من خفايا المجتمع، نخبٌ ثقافية ورموزٌ دينية وجدت في إشكالية جامعة الملك عبدالله فرصة لإثبات الوجود وتصفية الحسابات وتبادل التهم، مشروع علمي جبار بحجم كوست kaust كان يجب أن يوحد ولا يفرق أنصار العلم ورواد المعرفة، إلا أن دخول أطراف في ثنايا السجال ممن استهوتهم نبرة التفرقة وحدية المفاصلة جعل المشهد أكثر تعقيدا وأسرع وتيرة. ولعل ذلك راجع في أساسه إلى علاقة تأزم حادة بين التيارات الفكرية في مجتمعنا ما بين الأصالة والحداثة. وحقيقة لست ممن يعشقون التقسيمات الاجتماعية والفكرية ما لم تكن واقعا ملموساً كما هو الحال اليوم، ونجد أن كلا الطرفين ينظر إلى الآخر بالريبة والشك، فالحداثيون ودعاة التنوير يشهرون عنواناً حاداً واستعدائياً تجاه مخالفيهم بدعاوى قد تكون بعيدة كل البعد عن الحقيقة من خلال اتهامهم بدعم الإرهاب أو التشكيك في وطنيتهم أو إقصاء الآخر، وهي تهم شنيعة يكفي واحدة منها لنسف المخالف. بينما يستخدم دعاة الأصالة تجاه مخالفيهم أوصافاً صارخة وإقصائية مثل اتهامهم بالعلمانية وموالاة الكفار وحب مناهجهم والتغريب، إلى آخر هذه التهم المتبادلة بين التيارين. وأظن أننا في مرحلة فكرية صعبة تحتم على الجميع استحضار الانتماء الديني والعقدي في المجتمع، بالإضافة إلى الوحدة الوطنية التي تخول للجميع العيش والتعايش ضمن أطر فكرية مختلفة تحاول الإصلاح والرقي بالمجتمع وليس (قلبه رأساً على عقب) وهنا تكمن المشكلة. فما هي الأولويات لدى دعاة الإصلاح؟ أليسوا جميعاً يؤمنون بالانتماء الديني والعقدي لهذه الأرض؟، إذن ما المانع أن نختلف دون أن نُزور, ونكذب, ونستعدي, ونقصي, ونتهم؟، أم إننا نعيش أجواء لم نعتد عليها قد تقودنا إلى صدام فكري بين بعضنا أساسه المطامع الشخصية والأهواء الحزبية والانتقام للذات؟. إن الهدوء الذي نشهده هذه الأيام يوجب علينا العودة إلى النقطة الساخنة التي أدخلت بعض المتحمسين إلى لغة شتائمية ليست أساس الاختلاف الذي بدا على جزئية في سؤال اختلفت الآراء حول مضمون الإجابة واتفقت على خطورة ورمزية السؤال! لقد شاهدنا كتابات من الطرفين تنم عن خفايا في النفس وسوء في القصد يتجاوز الخوف على المشروع العلمي من التغريب أو الجمود بل تجاوز إلى الإساءة إلى تيار ومؤسسات لها قدرها ووزنها في المجتمع والدولة من خلال استحداث مصطلحات جديدة على اللغة الثقافية كما في مقال الزميل حماد السالمي (هيئة كبار المشاغبين) و(الفقيه الطالباني) أو حتى ردود جاوزت معهود الأدب وصنوف اللباقة كما في مقال الشيخ سليمان الدويش عبارات من قبيل (اخسأ) و(إن خلفك الشيطان) وغيرها. ولعل الأدهى من ذلك مبالغة البعض في توصيف حالة المؤسسة الدينية الرسمية على أنها هيئة تابعة لتشريع وتمرير ما تريده الدولة وهي خطوة بالغة الخطورة، إذ إنها تتعارض مع نظام الهيئة الاستشاري الذي نص عليه نظام الهيئة حيث جاء في المادة ثالثاً: تتولى الهيئة: أ- إبداء الرأي فيما يحال إليها من ولي الأمر من أجل بحثه وتكوين الرأي المستند إلى الأدلة الشرعية فيه. ب- التوصية في القضايا الدينية المتعلقة بتقرير أحكام عامة ليسترشد بها ولي الأمر وذلك بناءً على بحوث يجري تهيئتها وإعدادها طبقاً لما نص عليه في هذا الأمر واللائحة المرافقة له. وتشير اللائحة التنفيذية في المادة 3- يصح انعقاد الهيئة بحضور ثلثي أعضائها وتتخذ الهيئة قراراتها وتوصياتها بالأغلبية المطلقة للحاضرين وإذا تساوت الأصوات يكون صوت الرئيس مرجحاً ومن المفيد أن يكتب الأعضاء المخالفون نوع مخالفتهم وأسبابها وأدلتها مع ذكر البديل عن الرأي الذي خالفوه. ومن خلال ذلك يتضح أن الهيئة استشارية ولها حق إبداء الرأي في ما تراه مخالفا لنصوص الشريعة في النظام، وهو ما تفعله قبل أي قرار استراتيجي، وهو سر قوة الدولة في اعتمادها على الهيئات الاستشارية، ولكن بعد اتخاذ الحكومة قرارها وإعلانه تقف الهيئة مؤيدة ومؤازرة، إلا أن ذلك لا يعني الانفراد بالفتوى من قبل أعضاء الهيئة حيث تنص المادة الثانية عشرة من اللائحة التنفيذية حيث جاء فيها: 12- لا يجوز لأحد من الأعضاء أن يصدر فتوى أو بحثاً أو رأياً باسم عضويته في الهيئة العلمية أو باسم منصبه الرسمي، ومن خلال ذلك يتضح أن بعض الجدل الدائر قد أخفق في تحديد ماهية المشكلة فليس صحيحا ما كتبه بعض الزملاء أن الهيئة جهة منفذة لما يحال إليها؟! بمعنى صياغة بيان يتوافق مع ما أحيل لها والقول بذلك خطير سبق إليه أرباب المعارضة ورواد الفتنة بل هي جهة مستقلة تستند إلى الأدلة الشرعية مراعية بذلك المصلحة العامة، ولا من حيث أن أعضاء الهيئة لهم الحق في الاستقلال بآرائهم ببيانات مستقلة عن مجموع الهيئة المكونة من قبل المليك. فهل يمكن أن ينسينا الاحتقان والتحزب والاندفاع ضرورة الاتزان في الطرح واستقصاء المعلومة الصحيحة عن هيئة رسمية من مكونات الدولة الأساسية.