عندما تكون مسلماً وتنال فرصة العيش في الغرب بكرامة تكون الفرصة مواتية لك لتصنع شيئاً مختلفاً، ضيفتنا سيدة ولكنها استطاعت أن تجد لها مكاناً في المجتمع الأوروبي بشكل عام والألماني بشكل خاص. أصبح الناس يرونها برؤى كثيرة فهي عالمة الإسلام، المسلمة الليبرالية، المسلمة الملتزمة لكن من دون حجاب، الوجه المتسامح للإسلام؟ صوت الغالبية المسلمة الصامتة، القوة المضادة للمنظمات الإسلامية التي تمثل الإسلام المتشدد، وغير ذلك كثير، هي تنظر للإسلام بعقل وبمراعاة للظروف الزمانية والمكانية وتتبع تداعيات المرحلة وتطورها. أصدرت في 2008 كتاباً بعنوان القرآن للأطفال والكبار، وتم ترجمتها لعدد من اللغات الأجنبية يحتوي الكتاب على اثني عشر فصلاًً، يتناول كل واحد منها موضوعاً معيناً، مع الاستعانة بالنصوص القرآنية المتعلقة بذلك، أي أنه لم يتبع ترتيب سور القرآن الكريم، بل يناقش مثلاً مفهوم الربوبية في الإسلام، والخلق، وعلاقة الإنسان بالإنسان، والأنبياء والرسل، ثم نساء ورد ذكرهن في القرآن، ثم كيفية عبادة الله، وأخيراً الجنة والنار. هذا الكتاب فتح النيران عليها وجعلها في القائمة السوداء عند البعض. لميا قدور من دون همزة وتشدد على ذلك، سورية الأصل ألمانية النشأة حرة العقل جميلة الشكل والمحتوى، تبلغ ال 33 من العمر وفي سيرتها نتاج أكثر وعمل ممتدة... فإلى تفاصيل الحوار هل تعتبرين نفسك صاحبة مدرسة فكرية لشرح الإسلام بصورة معاصرة؟ أم أنك حلقة في سلسلة من تيار إسلامي يسعى للتوفيق بين الإسلام والفكر الغربي؟ - أميل إلى الاحتمال الثاني، لكنني أربط ذلك بتقاليد كانت موجودة حتى منذ عصر التواجد الإسلامي في الأندلس، إذ كان هناك مفكرون مثل ابن رشد، وإن كان البعض يعتبره كافراً، كانوا ينقلون المفاهيم الإسلامية إلى مرحلة زمنية معينة، وبفهم الإسلام فهماً مناسباً للعصر. ألا يحول اعتبار البعض لابن رشد كافراً، من دون الاقتباس من أفكاره؟ - طبعا لا، عموماً أنا أرفض من الأساس تكفير الآخرين، وأعتبره سلوكاً غير إسلامي. هل كانت أسرتك تتبنى توجهك الليبرالي أم أن الدراسة الأكاديمية في ألمانيا التي لا تعرف المقدسات والتي تتيح مناقشة كل ما نعتبره مسلمات، هو الذي أسهم في هذا التوجه؟ - والداي كانا ومازالا محافظين، يتصفان بالتقوى والورع، والانفتاح في الوقت ذاته، أحياناً لا يعرفان الإجابة عن جزئية ما في الدين، لأنهما ليسا من العلماء، لكنهما لم يكونا يمنعان طرح الأسئلة، سعياً للفهم، وهنا في ألمانيا يتعلم الطفل منذ الروضة أن يفعل ذلك، ويستعلم عما لا يفهمه، وأوضح أن جامعة مونستر التي درست فيها، كان الأساتذة فيها يتعاملون باحترام شديد مع القرآن. اتهامات وافتراءات هل تشعر لميا قدور أحياناً بأنها تقاوم طواحين هواء، لأن رسالتها تصل للغرب، ولكنها لا تجد صدى عند المعنيين برسالتها؟ - نعم، رسالتي وصلت نسبياً إلى الغرب، مع العلم بأنني أتعرض إلى اتهامات وافتراءات خاصة من التيار اليميني المتطرف، بأنني أكثر تشدداً، وأنني أتبنى فكراً محافظاً أكثر من المحافظين أنفسهم، وأنني أقوم بتمثيل دور الليبرالية حتى أتمكن من نشر أفكاري، أي أنني أمارس الدعوة بأسلوب مختلف. وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق، لأنني لا أتدخل في عقيدة الآخرين، ولا يعنيني من يرغب في اعتناق الإسلام ومن لا يرغب. أما على الجانب الإسلامي، فإن غالبية من أقابلهم هم من المسلمين النشطين في العمل الإسلامي، وهؤلاء غالباً ما يكونون من المحافظين جداً. نادراً ما أقابل مسلماً عادياً في الطريق، لأنه سيشترك مع في توجهاتي ومشكلاتي وآرائي، أما المحافظون فإنني لن أستطيع إقناعهم، ولا أريد القيام بذلك، فالقضية بالنسبة لي ليست إقناع الآخرين بالفكر الإسلامي الليبرالي، بل أن أصل إلى المسلمين المقتنعين أصلاً بهذا الفكر الليبرالي، وأطلب منهم أن نتحدث كجماعة، وبصوت مشترك، لأن الصوت الليبرالي لا يجد من يستمع إليه في هذا النقاش. ألا يحظى الصوت الليبرالي بالقبول؟ - من المهم أن نعرف المقصود بمصطلح"الليبرالي"، أنه لا يعني بالنسبة لي الشخص الذي لا يمارس شعائر دينه"فأنا أواظب على ممارسة شعائر ديني، لكنني لا أوقف عقلي عن التفكير، وأتبع منهجاً معتدلاً، لا يعتمد على التقليد، بل أمارس نوعاً من الاجتهاد، وهو اجتهاد لنفسي فقط"فأنا لست مفتية تصدر الفتاوى لكل ألمانيا، وأرى أن يقوم كل إنسان بذلك لنفسه. لكن عندما تتحدثين في وسائل الإعلام، وتقولين إن الحجاب ليس واجباً دينياً"فإن الأمر يتعدى الاجتهاد الشخصي، ويعتمد عليه آخرون، أليس كذلك؟ - بلى، ولكن عندما أجتهد فإنني أنطلق مما لديَّ من علم ومعرفة، وقدرة على استخلاص الحكم، وما دمت طرحت موضوع الحجاب فدعني أوضح رأيي بجلاء، أولاً أنا ليس عندي أي مشكلة مع الحجاب، وأنا أرتديه، لكي أصلي، وهذا الكلام أقوله"لأن البعض يعتقد أن بيني وبين الحجاب عداوة، وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق. ولكنني أتحدث الآن عن العصر الحالي، وأقول إن وظيفة الحجاب أن يوفر للمرأة الحماية، لكنني أجد أنه اليوم لا يقوم بهذه المهمة. إنني أريد استحضار روح العصر"فالإسلام ليس بالنسبة إليَّ كنزاً مدفوناً في باطن الأرض ينبغي على المرء أن يأخذه كما هو، بل يجب صيانته وإعادة رونقه وبريقه إليه"فالإسلام عبارة عن قيم لا يمكن أخذها كما هي، بل لا بدَّ من ضخ الحياة فيها"لأنه ليس من الممكن أن نعيش كما كان الناس يعيشون قبل أكثر من 1400 سنة في شبه الجزيرة العربية. ما علاقتك بالمساجد وبالاتحادات المشرفة عليها؟ وهل يمكن أن نعتبرها تكاملية في مصلحة الشباب المسلم أم أنك تحاربين الفكر الذي يلقنه الشيوخ هناك؟ - رغم قسوة كلمة"أحارب"، لكنها أحياناً تكون صحيحة في تعاملي مع بعض ما يقولونه"لذلك فإنني في عملي في المدرسة أتبع الإسلام الليبرالي أو فهم الإسلام طبقاً لروح العصر، وأتبع الطرق التربوية الحديثة. وعندما أشاهد ما يجري هدمه من الناحية التربوية في بعض المساجد مثل أن يقف شخص أمام الأطفال ويطالبهم بأن يكرروا وراءه ما يقول من آيات، وأحياناً يتعرض الأطفال للضرب أو التخويف، فعندها أحارب هذا الأسلوب"لأنني مؤمنة بأسلوب مختلف في علم التربية الديني. أما من الناحية الدينية فإنني أتبع إسلاماً ليبرالياً معاصراً"باعتباره أحد الخيارات، ومن المنطقي في كل الأديان أن يكون هناك فريق متمسك بالرؤية التقليدية القديمة، ويدعو إلى الحفاظ على المنهج القديم، وفريق آخر يقول إننا نريد الحفاظ على القديم، لكننا نريد أن نواصل المسير، وهناك فريق ثالث يقول إننا لا نريد القديم أبداً. المساجد والمشكلات إذاً فالعلاقة بينك وبين المساجد قائمة، أليس كذلك؟ - نعم، وهذا أمر مهم، لكنه يحتاج إلى جهد كبير"لأنه من المعتاد أن تجد في المساجد رجالاً من كبار السن، مؤمنين جداً بنظرتهم إلى الإسلام، وبنظرتهم إلى طريقة تعلم الدين"مما يجعل الحوار معهم صعباً للغاية"إذ يمكن أن يوضح الإنسان للطفل الإسلام، ولكن القضية ليست ماذا أعلمه، بل كيف أعلمه، وعند الحديث عن الكيفية تظهر المشكلات" فأنا أرفض صب المعلومات في مخ الطفل، دون إشراكه في العملية التعليمية، وهو الأمر الذي لم أفهمه حتى الآن"إذ أستغرب عدم إدراك التربويين المسلمين الموضوع حتى اليوم"فهم يؤمنون بالكم وليس بالكيف، على رغم أنه من البدهي أن نحرص على الكيف وليس الكم. لاحظ أنهم دوماً يقولون:"نريد المزيد من المسلمين، وكلما كانت أمة المسلمين أكبر كان أفضل"، ولكنني أعتقد أنه كان من الأفضل أن نهتم بالكيف، ومراعاة طلبات الطفل، وما يريد أن يتعلمه، إنني أعرف أولياء أمور طلاب عندي، معرفتهم بدينهم أقل من معرفة أطفالهم به، وعندما أقول هذا الكلام يشعر كثير من المسلمين بالإهانة، ولكنني لا أريد أن أهين أحداً، بل أريد فقط وصف الحال التي نحن عليها. رئيس البرلمان الألماني يكتب مقدمة لكتابك، وزوجة توني بلير تلقي كلمة التكريم بمناسبة حصولك على"جائزة السيدات المسلمات الأوروبيات المؤثرات"، وكتابك المدرسي يحصل على جائزة أفضل كتاب مدرسي إسلامي، ونادي الروتاري يمنحك جائزته عام 2009م، والمستشارة الألمانية تضمك إلى قمة الاندماج عام 2007م، ومجلة دير شبيغل تحتفي بك، وكذلك كبرى المحطات الإعلامية... هل كانت وسائل الإعلام في انتظارك؟ - نعم، أعتقد أن ذلك صحيح، ربما تكون إجابة ساذجة، ولكنها الحقيقة، لم تكن هذه الأشياء موجودة من قبل، لم تكن هناك ترجمة للقرآن تصلح للأطفال، اليوم يقول الجميع إنه من البدهي أن يكون هناك قرآن مترجم للأطفال، في دولة مثل ألمانيا فيها أناجيل للأطفال منذ فترة طويلة. ولكن حتى عام 2000م لم تكن هناك ترجمة واحدة للقرآن مخصصة للأطفال، هذا أمر غير قابل للتخيل، وهذه هي الإجابة عن سؤالك"أي بسبب وجود ثغرات، ومن ناحية أخرى الإنسان الذي يتعامل مع وسائل الإعلام، يجب أن يعرف كيف تعمل"فوسائل الإعلام في حاجة إلى وجوه، وإلى أشخاص قادرين على الحديث، وأنا مدركة تماماً أن وسائل الإعلام لديها اهتمام بشخصي"لأنهم يعرفون أني قادرة على الحديث، ومن جانبي أنتبه حتى لا يتم استغلالي من قبل وسائل الإعلام، المهم أن عندي رسالة أريد توصيلها، وأعرف أنني أحتاج إلى وسائل الإعلام. اتحاد المسلمين الليبراليين ما مهمة"اتحاد المسلمين الليبراليين"الذي تترأسينه؟ - من حيث الجوهر له مهمتان أساسيتان، الأولى دفع الحوار الإسلامي الداخلي، وليس الهدف من ذلك إقناع الآخرين بآرائنا، لكننا نريد أن نتمكن من طرح الأسئلة في المحيط الإسلامي الداخلي، وأن نسأل الآخرين لماذا يفكرون بهذه الطريقة في هذا الأمر، وهذا الأمر حالياً غير موجود. لكن هناك مجلس التنسيق الإسلامي وغيره، ألا يقومون بهذا الدور؟ - لا، هم لا يقبلون الحوار معنا، ويرددون دوماً، طالما أننا لا نمثل رابطة تضم مساجد عدة ، فلا حاجة لهم للنقاش معنا. يعتبرون أنه ليس لديكم ثقل...! - هذا على الأقل ما يقولونه، ولكن هذا ليس صحيحاً، بالتأكيد عندنا ثقل، فمثلاً عندما يريد الألمان أن يعتنقوا الإسلام، فإنهم يطرحون أسئلة، إن المنظمات الإسلامية لا تقبل بطرح الأسئلة، بل دعني أكون أكثر صراحة وأقول لك، إنهم غير قادرين على الرد على الأسئلة. هذه القيادات لها طموحات سياسية في المقام الأول، وليست على الصعيد الديني، هم لا يرون أهمية للحوار الإسلامي الداخلي، ويرون الأمور واضحة، ولا حاجة لمناقشتها، ويعتبروننا ظاهرة هامشية. أما الهدف الثاني من الاتحاد، فهو بالطبع الحوار مع الآخر، والحوار الذي نريده يكون على المستوى نفسه، أي بين طرفين متساويين، لا ننطلق من أننا أقلية، والمسيحيون أغلبية، إننا نقول بوضوح إننا بشر في المقام الأول، كلنا متساوون، كلنا مواطنون ألمان، لنا الحقوق نفسها في هذا البلد، هذه هي الديمقراطية. رغم صغر سنك نسبياً يشعر المراقب أنك قمت بمهمات كثيرة جداً، تدريس في الجامعة، تأسيس مركز للدراسات الدينية، والإسهام في وضع منهاج لإعداد الأئمة المسلمين، والتدريس في المدارس، وتأليف الكتب. هل يعطينا الغرب الفرصة لكل هذه الإنجازات؟ - بالنسبة إليَّ الأقدار هي التي فعلت بي ذلك، أجد باباً مفتوحاً أمامي، وما أن أدخل فيه، أجد باباً آخر، وهكذا باستمرار، ومازال الوضع يسير بهذا الشكل حتى اليوم، أشعر أني مثقلة بالمهمات، وأنني متعبة، أحياناً أفكر في أنه يجب عليَّ أن أتوقف، وأسأل نفسي لماذا أفعل كل ذلك، فالثمار قليلة، البعض يراني فقط أمام الكاميرا، ولا يعرف الثمن الباهظ الذي أدفعه من جهد مقابل ذلك. أنت تتحدثين عن طلابك بمنتهى الإيجابية، فما السبب في ذلك؟ - أنا أحب طلابي وطالباتي لأني أفهم جيداً ما يشعرون به، أفهم أسئلة الفتيات، لأنني مررت بتجاربهن نفسها، القضية ليست بالنسبة لي تحرير الفتاة، بل أيضاً تحرير الفتى من الشعور الدائم، بأنه مسؤول عن حماية البنات، وأنه الرجل الذي يتحمل المسؤولية، أنا أحب إثارة الفوضى في هذه المفاهيم، وكثيراً ما أطرح أسئلة بهذا الشأن، بحيث يعيد الطلاب التفكير في الأمر، والبحث عما وراء هذه المفاهيم. ذكرت في مقابلة لك أن الكثير من طلابك يفهمون الإسلام من خلال التحريم، في حين أن الإسلام أكبر من ذلك بكثير، فهل اكتفى المسلمون بالقشور وتركوا الجوهر؟ - نعم، لأنه ليست لديهم القدرة على الخوض في أعماق الإسلام، ولا يملكون المعرفة، ويجب عليهم أن يدرسوا طرق التدريس الحديثة، إن الفهم العميق للدين، يتطلب فهم الخلفية التاريخية، والمضمون اللغوي، والإطار الاجتماعي الببليوغرافي للنبي الكريم، هذا هو الطريق لفهم الإسلام، كما أرى ضرورة فهم الأديان السماوية السابقة، لكي أستطيع فهم القرآن، إن قيام شخص جاهل بقراءة القرآن، لا يجعله يفهمه، وهذه مشكلة بعض المسلمين، أن غالبيتهم محدودو الثقافة. العدو والضحية يعتبر البعض أن الغرب سعى إلى إيجاد عدو جديد بعد انهيار الشيوعية، واختار الإسلام، فهل اعتدنا أن نتخذ موقف الضحية، لأنها تريحنا من القيام بأي دور، ومن النقد الذاتي؟ - المهزوم دوماً يبحث عن دور الضحية، لا أستطيع أن أقول غير ذلك، فنحن الآن على مستوى السياسة العالمية، نحتل دور المهزوم، بعد أن انتهى عصر الازدهار الإسلامي في مختلف المجالات، وأصبحنا ننتظر الشفقة من الآخرين، ولكن المهزوم يدوسه الجميع، المشكلة أننا لا نفعل شيئاً للتخلص من هذا الوضع، وتغيير الحال، بل نحن أموات للأسف، نعيش يومنا فقط، ولكن ما يحدث في بعض الدول العربية يمثل نبتة تخرج من أعماق الأرض ببطء وصعوبة. تتحدثين أحياناً عن فهم نسائي للإسلام مختلف عن آراء بعض الشيوخ الكبار، الذين يسعون إلى ترسيخ مكانة الرجل في تفسيرهم للدين. فهل تفهم المرأة الدين بصورة مختلفة؟ - أعتقد أن النساء هن من يحرك الثورات، أو لنقل التغييرات، والسبب في ذلك أن المرأة هي الضحية، ولو كانت تتمتع بالمساواة، لما كانت لديها الرغبة في التغيير، وهذا ما يوضح رغبة الرجال في بقاء الحال على ما هي عليه، فالوضع مريح بالنسبة لهم، ولذلك من الطبيعي ألا نجد شيخاً مثل الذي تحدثت عنه، يرغب في التغيير، ولن يقبل بذلك. المرأة كانت تشارك في القرون الماضية بصورة أكبر في العلوم الدينية، في القرن ال16 كانت عائشة الباعونية تتولى التدريس للرجال، وكانت تصدر لهم الفتاوى، وهو أمر لم يعد متصوراً اليوم، ولا بد أن نسأل عن سبب غياب ذلك اليوم، البعض يشعر بالصدمة من هذا الكلام، لكنه لا يسأل لماذا هذه الصدمة. أنا أنتظر أن يتقبل الرجال أن تطرح المرأة رؤيتها للقضايا الدينية، والتي تختلف عن رؤيتهم. لو جلست لميا قدور على منصة منظمة المؤتمر الإسلامي أو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ما هي أهم النقاط التي ستعرضها على علماء الدين المسلمين، وتطالبهم بإقرارها فوراً؟ - سأعطيهم أمثلة من تاريخ الإسلام توضح الدور المهم للمرأة، والذي كان دوراً أساسياً، وأعطيهم أمثلة من القرآن، وسوف أعرض عليهم تنبؤاتي بأن الوضع لو استمر على ما هو عليه الآن، فإنهم سيعيشون على أنقاض الإسلام، لأن ما يعيشون عليه الآن، لا يتفق مع روح الإسلام، بل هو عبارة عن صورة، يمكن وصفها بأنها صورة باهتة، فقدت بريقها. المجتمع السعودي هل ترين فلسفة واضحة يسير عليها المجتمع السعودي؟ - أنا لا أستطيع أن أحكم عليها إلا من خلال نظرتي من الخارج، أعني من هنا من ألمانيا، وإنني أرى أنها إيجابية جداً، هناك أمور كثيرة تخوضها المرأة السعودية أهمها قضية الحرية الشخصية، ومن المهم إشراك المرأة في المشهد السياسي الاجتماعي. ولا بد أن نعرف أن السعوديين شعب متمسك بشدة بالتقاليد، وهو أمر يميزهم من ناحية، وهم معروفون في الشرق الأوسط بحفاظهم على التقاليد، وأنهم حماة الحرمين الشريفين، وهذا أمر جيد وجميل أن يحافظوا على ثقافتهم السعودية، ولكن هذه الثقافة لا يجوز خلطها مع الإسلام كي لا يتشوه، لا بد من إدراك أن هناك تقاليد وثقافة لهذا البلد، وهو ما يمثل عنصر قوة للمملكة. ولكن على الجانب الآخر هناك الدين الإسلامي، والذي أتوقع من المملكة، هذا البلد الذي يحمي الحرمين الشريفين أن يحتل مكانة متقدمة في الناحية الدينية، وأن يكونوا هم المحرك للحوار الإسلامي الداخلي ودفعه إلى الأمام، ولكنهم بدلاً من ذلك يركزون جهدهم على تنظيم الحج، أما التجديد في الفكر الإسلامي وإثراء النقاش الإسلامي الداخلي بالأفكار الجديدة. هل تشعرين أن مجتمعنا لا يحترم التعددية كما يجب وينزع للرأي الواحد والصوت الأعلى، ما رأيك؟ - نعم، المجتمع يسير على هذا النمط، نظراً لأن هذا الأسلوب قد أثبت صلاحيته هناك، ولذلك لا توجد رغبة في استبداله أو تغييره. نمطية الخطاب الموجه للأجيال ألا تعيق التواصل معهم؟ - بالتأكيد القضية تدور دوماً حول القيم القديمة، في مواجهة القيم الجديدة، بل دعنا لا نتحدث عن قيم قديمة، بل عن الموروث القديم، لأن الأمر لو تعلق بقيم أثبتت صلاحيتها، لما رغب الشباب والجيل الجديد في استبدالها، الموروث القديم يصب في مصلحة مجموعة معينة من الناس، ولنسميها الصفوة الاجتماعية، ومن لا ينتمي إلى هذه الصفوة، فإنه يكون مهضوما، ولذلك يقاوم هذا القديم الذي يظلمه. سيرة ذاتية ... من مواليد 1978 في ألمانيا لوالدين مهاجرين من سورية. المؤهلات العلمية - درست اللغة العربية والعلوم الإسلامية وعلوم التربية والدراسات المقارنة في جامعة مونستر. الخبرات العملية - قامت بالتدريس في أول قسم لإعداد الأئمة المسلمين في ألمانيا بالجامعة نفسها، وأسهمت في إنشاء قسم الدراسات الدينية هناك. - تعمل معلمة لمادة علم الإسلام باللغة الألمانية في ولاية شمال الراين وستفاليا. - تشارك في إلقاء منتدى الجمعة، وهو عبارة عن كلمة أسبوعية للمسلمين، تبثها القناة التلفزيونية الألمانية الثانية زد دي إف. - تكتب بانتظام"الكلمة الإسلامية"للبرنامج الإذاعي"إس دبليو آر". الخبرات الإعلامية - تكتب في العديد من وسائل الإعلام الألمانية، وتقدم المشورة للسياسيين والمؤسسات الألمانية حول قضايا الإسلام. - ألفت كتاباً بعنوان"مسلمة، أنثى، ألمانية... طريقي لإسلام مناسب للعصر"، كتب رئيس البرلمان الألماني مقدمته،. - وشاركت مع رابعة موللر في تأليف أول كتاب مبسط عن القرآن للأطفال، وأول كتاب تعليمي للإسلام باللغة الألمانية. - كما شاركت في كتابة الكثير من الأبحاث والكتب الأخرى. - ترأس حالياً"اتحاد المسلمين الليبراليين"الذي شاركت في تأسيسه. الجوائز - حصلت على العديد من الجوائز الألمانية والأوروبية، ووقع عليها الاختيار لتكون واحدة من أكثر المسلمات الأوربيات تأثيراً. وألقت كلمة التكريم شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. - حصل الكتاب التعليمي الذي شاركت في تأليفه على جائزة"أفضل كتاب تعليمي أوروبي".